Page 15 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 15
نحتاج للتعميم والإجمال في بعض بدا واض ًحا أن التعليم هو اللبنة الأهم
في الثقافة والحضارة كليهما .ومرة
السياقات وصوًل إلى المساحة
المقصودة بالبحث ،إلا أن الإجمال أخرى؛ يؤكد قول طه حسين «الثقافة
المخيف الذي أنبه إليه يتمدد في من بعض أنحائها» أنه كان متب ٍّن
لتعريف تيلور الواسع للثقافة.
سياق الأبحاث المختصة ذاتها يسهب طه حسين بعد ذلك في
ليبتلع أية محاولة لتمييز الخيط محاولة تصنيف «العقل المصري»
بين الغرب الأوروبي والشرق
الأبيض من باقي الألوان الأقصى الذي يكاد يحصره في
الصين واليابان .وينحاز الدكتور
إلى فكرة مؤداها أن العقل المصري
هو إلى اليونان ،ومن ورائه الغرب
الأوروبي ،أقرب وأنسب من قربه
ونسبه إلى العقل الشرقي .هنا
نوال السعداوى يبدو الارتباك والتسرع في الجدل
من خلالها ولأجلها هذه المناهج وتلك الأدوات. والاستدلال واضحين.
فيمكننا بتناغم بسيط سهل أن ننقل آليات العقل دون ولا أحسب أن أح ًدا راجع الدكتور طه حسين في
مفهوم أساسي قام عليه جدله ،وهو مفهوم «العقل
محتواها ،كما يمكننا تنقية الأفكار بصورة كاملة عن
سياقاتها؛ بحيث تصبح كالآلة المحايدة التي لا تبالي المصري» الذي يتضمن تعمي ًما يمنعني من فهم
محتواه :ما «العقل المصري» وما محدداته؟ وكيف
بنوع الوقود الذي يتخلل محركها طالما كان قاد ًرا
على تشغيله .وهو ارتباك مردود ثانيًا إلى ما يسعى تأتى للدكتور أن يحسبه واح ًدا ثابتًا وإن على مستوى
الدكتور طه أن يقوله بكل الطرق الضمنية الممكنة بعد أساسيات عامة طوال الدهر المصري الممتد في
أزمة كتاب في الشعر الجاهلي :يجب فصل الدين عن الزمن؟
السياسة ،أو لنقل «حفظ الدين من السياسة» إن أردنا أما الإشكالية التي تبدو محيرة في جدل الدكتور
نهضة حقيقية ،فهذا هو أهم ما فعلته أوروبا ،ولم حول مستقبل الثقافة في مصر فهي ما يبدو مناداة
تقدر عليه الثقافات العربية المستخدمة للدين وقو ًدا للتماهي مع الثقافة الغربية ،ثم دعوته بعد ذلك لأن
يوميًّا للحروب العنصرية والسياسية ،بل والشخصية تسيطر الدولة المصرية على المدارس الأجنبية التي
الفردية.
تفرخ طلا ًبا لا يعرفون عن
من أين جاء التعليم إذن كموضوع للكتاب ،وحيد أوطانهم بقدر معرفتهم
عن البلاد الأوربية التي
يدرسون تاريخها وثقافتها! وشامل؟
يبدو ما وضعه حسين في مقدمته هو الإجابة التي
وأحسب أن هذا الارتباك
اقترحها على الشباب الذين سألوه في بداية رحلته مردود أو ًل إلى اعتقاد
مع الكتاب .بعد ذلك يمتلئ كتاب «مستقبل الثقافة في الدكتور بأن المناهج
مصر» بأفكار جزئية مر عليها الكتاب مرور الكرام، وأدوات التحليل والنقد
بوصف بعضها بداهات لا حاجة للتركيز المبالِغ عليها، العقليين يمكن فصلها
وبوصف بعضها الآخر بذو ًرا لموضوعا ٍت بحثية
يمكنه العودة إليها ،وهو ما قام به طه حسين في جمي ًعا ،بأمان تام ودون
إجراءات احترازية دقيقة،
أبحاثه المج ِّددة حينها في النظر للتراث .تلك الأفكار/
عن المادة التي نشأت