Page 19 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 19

‫‪17‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

 ‫«تضع أسئلة نقدية للسميولوجيا تدور حول حدودها‬                ‫القارئ‪ ،‬أو بعبارة «بارت»‪« :‬ميلاد القارئ يجب أن‬
‫الخاصة ومفاهيمها الأساسية (التي يتم تأسيسها على‬             ‫يكون معاد ًل لموت المؤلف»‪ )12(.‬وميلاد القارئ فيما‬
 ‫فكرة العلامة)‪ ،‬وتبدأ في استبدال السميولوجيا أي ًضا‬          ‫يتصور «بارت» يرتبط بنظرية ما بعد البنيوية التي‬

   ‫من حيث إنها تصبح موضو ًعا جدي ًدا‪ ،‬وتشجع على‬               ‫فككت الذات‪ ،‬فالقارئ هو شخص «بلا تاريخ‪ ،‬بلا‬
   ‫الدراسة التفصيلية العميقة لممارسة قد تنقلها أبعد‬        ‫سيرة‪ ،‬وبلا سيكولوجيا‪ ،‬إنه فقط ذلك الشخص الذي‬
    ‫من هذه الحدود نفسها‪ :‬أي الاجتياز أو العبور من‬
                                                               ‫يحول المجموع إلى مفرد‪ ،‬والمجال نفسه لجميع‬
                  ‫السميولوجيا إلى السيماناليز»‪)17(.‬‬        ‫الآثار التي يتم تشييد الكتابة منها»‪ )13(.‬إن القارئ يتم‬
‫تتعلق أولى هذه الخصائص‪ ،‬كما أشرت سل ًفا‪ ،‬بالمنتج‬
                                                             ‫تنصيصه ‪ ،Textualized‬ويتم إخضاعه للاختلاف‬
     ‫وما يتم إنتاجه أو المنتج المنجز وعملية الإنتاج‪.‬‬           ‫واللعب الحر والتبعثر‪ ،‬فالذات التي تقرأ النص أو‬
   ‫إن العمل هو ذلك الكيان المحسوس الذي يمكن أن‬                  ‫تقاربه‪ ،‬في ظل هذا التصور‪ ،‬تتجاوز كما يطرح‬
   ‫تلمسه أو تراه‪ ،‬مثل كتاب يشغل موق ًعا على رفوف‬             ‫«ليتش»‪« ،‬أي مفهوم لعملية القارئ النص بوصفها‬
                                                               ‫علاقة بسيطة للذاتية بالموضوعية»‪ )14(.‬في كتابه‬
      ‫المكتبة‪ ،‬أما النص فهو ذلك «المجال المنهجي»؛‬         ‫(‪ ،)S/Z‬يلح «بارت» على نصية الذات القارئة وتصبح‬
   ‫والفارق بينهما (العمل‪ /‬النص) يستدعي التعارض‬                ‫الذات مثل النص‪ ،‬مكونة من نصوص أخرى وآثار‬
‫المقترح من قبل «لاكان» ‪ Lacan‬بين «الواقع»‪Reality‬‬           ‫وشفرات لا نهائية مفقودة الأصل‪« :‬الأنا التي تقارب‬
 ‫و»الواقعي»‪ ،Real‬فـ»الواقع يكون واض ًحا معرو ًضا‪،‬‬            ‫النص هي نفسها من قبل مجموع نصوص أخرى‪،‬‬
                                                              ‫وشفرات لا نهائية‪ ،‬أو بكلمة أكثر دقة‪ ،‬مفقودة أي‬
     ‫والواقعي يتم البرهنة عليه»‪ .‬إن العمل يكون ثابتًا‬         ‫مفقودة الأصل»‪ )15(.‬لكن النص لن يصبح ن ًّصا إلا‬
      ‫أما النص فإنه «يتم تجريبه من خلال نشاط ما‬             ‫بوجود القارئ أو بعبارة أخرى إن النص يوجد فقط‬
                                                           ‫عندما يتم إنتاجه من قبل القارئ‪ ،‬هنا نصل إلى أولى‬
    ‫وإنتاج ما»‪ ،‬وما يقوم بهذا النشاط وعملية الإنتاج‬           ‫الخصائص التي صاغها «بارت» لتمييز النص عن‬
     ‫أو «التجريب» هو القارئ‪ .‬إن النص «لا يمكن أن‬
 ‫يتوقف (على رفوف المكتبة مث ًل)‪ ،‬فلحظته التشييدية‬                ‫العمل في مقاله‪ :‬من العمل إلى النص (‪.)1971‬‬
    ‫ارتحالية أو اجتيازية ‪ ،Traversal‬فالنص يمكن أن‬                  ‫وينبغي الإشارة قبل الشروع في عرض تلك‬
    ‫يجتاز العمل أو العديد من الأعمال‪)58 -57.P( .‬‬                ‫الخصائص‪ ،‬إلى أن مقال «بارت»‪ :‬من العمل إلى‬
 ‫ومادام النص لا يتوقف‪ ،‬فإنه «لا يمكن أن يتم إدراكه‬          ‫النص‪ ،‬يؤسس نو ًعا من الاستبدال أو الانتقال‪ ،‬وهو‬
   ‫من خلال تراتبية (هيراركية) ما أو حتى من خلال‬             ‫استبدال للمفاهيم التقليدية‪ ،‬التي تنبني‪ ،‬كما يتصور‬
  ‫تقسيم بسيط للأنواع أو الأجناس الأدبية»‪ .‬تلك هي‬          ‫«بارت» على الطراز النيوتني ‪( ،Newtonian‬نسبة إلى‬
 ‫الخصوصية الثانية التي يتمايز بها النص على العمل‪.‬‬         ‫نيوتن)‪ ،‬بمفاهيم تستند على نسبية الأطر والمرتكزات‬
    ‫إن النص لا يقبل الانصياع إلى تلك التقسيمات بل‬             ‫المرجعية ‪ ،Relative of reference points‬التي‬
   ‫يقوم بعملية تدمير لها‪ ،‬هذا ُي َم ِّكنه من الاستمرارية‬      ‫تنبني على علم أينشتيني ‪( Einsteinian‬نسبة إلى‬
 ‫واجتياز الحدود‪ ،‬بعبارة أخرى‪ :‬إن النص يتجاوز عن‬            ‫أينشتين)‪ )16(.‬هذا الاستبدال يطور‪ ،‬كما يطرح «هيث»‬
‫السائد ويقوم بعملية تدميره‪ ،‬فالنص يحاول أن يموقع‬          ‫‪« ،Heath‬تحلي ًل فاتنًا لجميع مظاهر أو أشكال اشتغال‬
                                                             ‫اللغة‪ ،‬والدال‪ ،‬ومجال كامل للإنتاجية التي تكون لا‬
                       ‫نفسه وراء الحدود‪)58.P( .‬‬               ‫نهائية‪ ،‬ولا يمكن أن يتم السيطرة عليها‪ ..‬إن فكرة‬
    ‫إن قدرة النص على اجتياز الحدود تجعله مرتب ًطا‬              ‫النص تستبدل‪ ،‬من ثم‪ ،‬فكرة العمل بوصفها كلية‬
  ‫بلعبة الدال أو مراح الدال العفوي الذي لا يحيل إلى‬          ‫مغلقة ومحددة‪ ،‬وتعبي ًرا واض ًحا صري ًحا عن معنى‬
    ‫مدلول مسيج‪ ،‬ولكن يحيل إلى سلسلة من الدوال‬                  ‫أو ذات»؛ ويشير «هيث» إلى ما هو أبعد من ذلك‬
   ‫اللامتناهية‪ ،‬هنا نصل إلى الخصوصية الثالثة التي‬           ‫حين يقرر أن هذا الاستبدال يجتاز السميولوجيا إلى‬
     ‫يتمايز بها النص عن العمل‪ .‬إن العمل ينغلق على‬         ‫السيماناليز ‪ ،Semanalysis‬فالمفاهيم الخاصة بالنص‬
    ‫مدلول محدد‪ ،‬أي أنه «يوظف بوصفه علامة عامة‪،‬‬
    ‫ويكون طبيعيًّا أنه ينبغي أن يمثل مقولة مؤسسية‬
    ‫لحضارة العلامة»؛ وحضارة العلامة هي حضارة‬
   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24