Page 24 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 24

‫العـدد ‪21‬‬                                             ‫‪22‬‬

                                                                                                        ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬

                                    ‫د‪.‬عصام الدين عارف فتوح‬

‫ما بعد سعيد‪ ..‬ومستقبل الدراسات الأدبية‬

            ‫بوفاة إدوارد سعيد عام ‪ ،2003‬بعد معاناة طويلة مع المرض‪ ،‬فقدت القضية‬
          ‫الفلسطينية صو ًتا متمي ًزا وفري ًدا في الدفاع عن حق أصيل في الاستقلال واقامة‬
      ‫دولة حرة مستقلة‪ ،‬قادرة على تحدي الصلف الصهيوني‪ ،‬فترك فرا ًغا فكر ًيا هائ ًل‪،‬‬
          ‫في عالم بدأت الدوائر السياسية الرجعية التي رأت في إسرائيل حلي ًفا طبيع ًيا‪،‬‬
         ‫منذ نشأتها وإلى الآن‪ ،‬في تشجيع تلك الدولة المغتصبة‪ ،‬بل والاعتراف بحقها في‬

                                                                  ‫السيادة على القدس‪.‬‬

  ‫ضوء انجازات ذلك المفكر المتميز‪ .‬ويتكون الكتاب‪،‬‬            ‫تكتسب أعمال الناقد الفلسطيني الكبير إدوارد‬
 ‫الصادر عن دار نشر كامبريدج عام ‪ ،2019‬من اثني‬
‫عشر مقا ًل نقد ًّيا لأهم أساتذة النقد ما بعد الكولونيالي‬        ‫سعيد (‪ )2003 -1935‬أبعا ًدا أدبية وتاريخية‬
  ‫في الجامعات الأمريكية‪ ،‬قام بجمعها بشير أبو منة‪.‬‬           ‫وسياسية وفلسفية‪ ،‬كان لها أعظم الأثر في الدوائر‬
  ‫ويجدر الإشارة هنا‪ ،‬أن جميع تلك المقالات لأساتذة‬         ‫النقدية والأدبية بالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا‬
 ‫متخصصين في دراسة الأدب ما بعد الكولونيالي‪ ،‬أو‬             ‫منذ ظهور كتابه النقد ّي «الاستشراق» ‪Orientalism‬‬
  ‫في العلوم السياسية المختصة بدراسة الكولونيالية‬
 ‫والإمبريالية في الفكر السياسي الغربي‪ ،‬أو حتى تلك‬                                                ‫(‪.)1978‬‬
                                                              ‫وتنبع أصالة فكر سعيد من اكتسابه لتراث أدب ّي‬
   ‫الدراسات للحضارة من منظور سياسي‪ ،‬بما يمثل‬                   ‫عالم ّي‪ ،‬أهله لشغل منصب أستاذ الأدب المقارن‬
   ‫انعكا ًسا تاريخيًّا ها ًّما لتأثير نظريات إدوارد سعيد‬      ‫بجامعة كولومبيا‪ ،‬وهي واحدة من أهم الجامعات‬
   ‫وأفكاره على المؤسسات الأكاديمية‪ ،‬والمؤسسات‬              ‫في الولايات المتحدة الأمريكية‪ .‬وكان إدوارد سعيد‪،‬‬
                                                               ‫بأصوله العربية الفلسطينية‪ ،‬يمثل صو ًتا منفر ًدا‬
                ‫الفكرية في كل من أمريكا وانجلترا‪.‬‬              ‫وأصي ًل من خارج المؤسسة الأكاديمية الغربية‪،‬‬
     ‫أجبرت كتابات سعيد –وهو أستاذ الأدب المقارن‬              ‫ونجح نجا ًحا مبه ًرا في ابراز الصوت الفلسطيني‪،‬‬
  ‫بصفة عامة‪ ،‬والإنجليزي بصفة خاصة– إلى توسيع‬               ‫رغم التحديات التي فرضتها الهيمنة الصهيونية على‬
     ‫رقعة النصوص الأدبية موضع الدراسة بأقسام‬                 ‫الفكر والإعلام الغربي منذ تأسيس دولة إسرائيل‬
‫اللغات المختلفة والأدب المقارن‪ .‬ويندر اليوم أن تجد‬        ‫عام ‪ ،1948‬واحتفائها بنصرها العسكري عام ‪،1967‬‬
‫قس ًما للأدب الإنجليزي‪ ،‬مث ًل‪ ،‬لا يفرد مساحة لدراسة‬        ‫وزيادة رقعة الأراضي العربية التي احتلتها وهيمنت‬
                                                              ‫عليها منذ ذلك الوقت‪ ،‬بمساندة أمريكية سياسية‬
      ‫أعمال تشينوا أتشيبيه‪ ،‬ووول سواينكا‪ ،‬وإيميل‬          ‫وفكرية‪ ،‬بل وعسكرية أي ًضا‪ ،‬مع تأييد غربي‪ ،‬واحتفاء‬
     ‫سيزار‪ ،‬وسلمان رشدي‪ ،‬ونجيب محفوظ‪ ،‬ونوال‬                  ‫بنصر دولة صغيرة على جميع أعدائها من العرب‪.‬‬

                             ‫السعداوي‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬                                ‫***‬
      ‫وقد يكون من المفيد لقارئ هذه المجموعة من‬                     ‫ويناقش كتاب «ما بعد سعيد» ‪After Said:‬‬
      ‫المقالات‪ ،‬بأن يقسمها إلى ثلاثة محاور متباينة‬        ‫‪Postcolonial Literary Studies in the Twenty-‬‬
       ‫بمداخل مختلفة تتضامن جمي ًعا في تقييم ناقد‬           ‫‪ )2019( First Century‬مستقبل الدراسات الأدبية‬
   ‫موسوع ّي‪ ،‬شارك نظر ًّيا وتطبيقيًّا في إعادة صياغة‬      ‫ما بعد الكولونيالية في القرن الحادي والعشرين‪ ،‬في‬
   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29