Page 26 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 26

‫العـدد ‪21‬‬    ‫‪24‬‬

                                                     ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬

  ‫تظهر المقالتان‪ ،‬على أساتذته من النقاد الذين اختار‬      ‫المفكرين الفرنسيين الثلاثة ضاح ًكا بقوله‪« :‬من‬
‫أن يتتلمذ على أيديهم‪ ،‬من أمثال فيكو وأورباخ‪ ،‬فرأى‬    ‫الممكن أن تعتبرني ‪ ،anti-humanist humanist‬أي‬
‫سعيد في عمله كناقد استكما ًل لدراسة أورباخ الرائدة‬
                                                                   ‫مفكر إنسانوي مناهض للإنسانوية»‪.‬‬
  ‫لكلاسيكيات الأدب الأوروبي «المحاكاة» ‪Mimesis‬‬           ‫ويمكن القول بأن دراسته الرائدة «الاستشراق»‪،‬‬
                             ‫الصادرة عام ‪.1946‬‬           ‫وهي موضوع مقال فيفيك شيبر بعنوان «التراث‬
                                                          ‫المزدوج للاستشراق»‪ ،‬ومقال ساري مقديسي‬
      ‫وعلى أهمية هذا المحور‪ ،‬فلا شك أنه يفتقد إلى‬      ‫«الاستشراق اليوم»‪ ،‬يمثلان ثاني أهم محاور هذه‬
‫عنصرين‪ ،‬أولهما دراسة متعمقة لسيرة إدوارد سعيد‬         ‫المجموعة‪ .‬فيبحث المحور الثاني في طبيعة العلاقة‬
‫الذاتية «خارج المكان» ‪ ،)1999( Out of Place‬حيث‬         ‫بين فكر سعيد‪ ،‬وموقعه الوجودي بالمنفى كلاجئ‬
                                                          ‫فلسطيني خلال بحثه الدؤوب عن دور سياسي‬
     ‫يتتبع سعيد احساسه بالغربة إلى سنوات نشأته‬       ‫كفلسطيني في وسط أكاديمي‪ ،‬يتعاطف مع إسرائيل‪،‬‬
‫الأولى‪ ،‬مشتتًا بين مصر وفلسطين‪ ،‬الوطن الذي ُح ِرم‬        ‫ناسيًا ومتناسيًا‪ ،‬دورها كبؤرة استيطانية وسط‬
‫منه قس ًرا من ناحية‪ ،‬والمدرسة الإنجليزية التي تتلمذ‬  ‫عالم إسلامي‪ ،‬تناهض سعيه لتحقيق الاستقلال التام‬
                                                       ‫سياسيًّا واقتصاد ًّيا وعسكر ًّيا عن الغرب لاستكمال‬
    ‫فيها على أيدي أساتذة من الإنجليز‪ ،‬لطلاب عرب‬      ‫مشروع نهضوي‪ ،‬فتتناول مقالتا جانجوري وكوكس‬
‫وأرمن وإغريق في مؤسسة مدرسة فيكتوريا كولدج‪،‬‬
                                                           ‫دور المنفى في تكوين إدوارد سعيد وتفكيره‪.‬‬
     ‫لفظها إدوارد سعيد‪ ،‬كما لفظته بدورها وفصلته‪،‬‬       ‫تشير المقالتان إلى إحساس إدوارد سعيد بالغربة‪،‬‬
    ‫ليتعمق إحساسه بالغربة بالولايات المتحدة حيث‬
                                                         ‫وتعاطفه مع جوزيف كونراد‪ ،‬وهو من أهم رواد‬
                               ‫أمضى بقية عمره‪.‬‬            ‫الرواية الإنجليزية والحداثة الأوروبية‪ ،‬حيث إن‬
 ‫أما العنصر الثاني‪ ،‬ولعله الأهم‪ ،‬فهو الدور السياسي‬   ‫الإنجليزية كانت لغته الثالثة بعد البولندية –وهي لغته‬
‫والإعلامي الذي لعبه إدوارد سعيد بكتاباته السياسية‪،‬‬    ‫الأم– واللغة الفرنسية‪ .‬وبعد أعوام من العمل بحا ًرا‪،‬‬
‫وانتقاده للصورة النمطية للإنسان العربي في مختلف‬       ‫يجوب بحار العالم إلى أن وصل إلى مرتبة القبطان‪،‬‬
                                                      ‫أمسك بالقلم‪ ،‬واكتسب الجنسية الإنجليزية‪ ،‬متزو ًجا‬
    ‫وسائل الإعلام المقروءة منها والمرئية من سينما‬      ‫من امرأة بريطانية‪ ،‬ليبدأ مشواره ككاتب من أعظم‬
  ‫وتلفزيون‪ ،‬والواقع أن أجهزة الإعلام في أمريكا‪ ،‬بل‬
 ‫وأوروبا عامة‪ ،‬قد احتفت بنجومية وشعبية وجاذبية‬              ‫كتاب الرواية الإنجليزية في القرن العشرين‪.‬‬
                                                                                       ‫لم يكن اختيار‬
     ‫شخصية إدوارد سعيد‪ ،‬التي فرضها فر ًضا على‬
  ‫محاوريه من اليمين الرجعي‪ ،‬والتي أزعجت وهددت‬                                        ‫روايات جوزيف‬
                                                                                     ‫كونراد موضو ًعا‬
       ‫مصداقية الإعلام الإسرائيلي في أمريكا ذاتها‪.‬‬
                                                                                       ‫لرسالة إدوارد‬
                                                                                        ‫سعيد لدرجة‬

                                                                                          ‫الدكتوراة‪،‬‬
                                                                                        ‫والتي نشرت‬
                                                                                       ‫فيما بعد كأول‬
                                                                                       ‫أعماله النقدية‪،‬‬
                                                                                      ‫وليد صدفة‪ ،‬بل‬
                                                                                      ‫انعكا ًسا للتوتر‬
                                                                                   ‫بين الذات والآخر‪.‬‬
                                                                                    ‫وقد انعكس نفس‬
                                                                                        ‫الاهتمام‪ ،‬كما‬
   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31