Page 31 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 31
29 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
إن الخطب ممارسة للذات في داخل التاريخ ،فإن جلال الدين الرومى
القصيدة هي التسجيل القصى للذات في داخل اللغة.
ما قاله علوان مهدي الجيلاني من مرويات ،تجربة
خاصة ،وأستطيع القول بأن الجيلاني في تجربته
الخاصة ( َحبَّ ُة ال َب َر ِد) ،تلفت الانتباه ويتشكل هذا
الانتباه منذ اللحظة الأولى ،حيث يفاجأ المتلقي
بالمعروف التداولي وسيادة اليومي ،لكنه يذهب بنا
نحو كشوفات متنوعة للمعاني ،أو ما كرست الكلام
عليه في ابتداء هذه المقالة ،إنه شاعر لاعب ،واللعب
إبداع مهاري ،لا يقوى القارىء مقاومته ،والابتعاد
عنه ،بل يزداد انجذا ًيا واقترا ًبا.
وعلى الرغم من أن اليومي المعروف يفارق ذاكرة
المتلقي ،لكنه يكمن في خزان الذاكرة ،وهذا يكرس
لدي في قراءة تجربة علوان مهدي التاريخ وسردياته
ويتداخلا م ًعا ،بحيث تتعقد إمكانات فك التداخل
بينهما وعزل أحدهما عن الآخر ،وأنا متحمس لهذه
التجربة اليومية ،لكن طبقاتها الغنائية ذات الجذور
النازلة لأعماق طبقات النص /السردي ،وهذه سمة
مميزة لتجربة العشق في هذا الديوان ،ربما لأن الحب
مرويات ولن يكون غير ذلك.
استمرارية السرد وديمومته ،يعني كمون معنى
داخلي ،وأعني به تكون ملمح جمعي ،أسري ،لأن
الحديث سيرورة لا تتوقف ،وربما أحيا ًنا ينقطع
مثل خيط المسبحة ،شبيه مدورات السرد العائلي،
ومرويات علوان ذات سلطان ،يتمتع بلسان كلامي
مزدحم بالأنثروبولجيا الخاصة بالعشق والمزودة
بنصوص صوفية ،لأن العشق لا يغادر حكمته
العشقية والميثولوجيا ،لذا لاحظت كثي ًرا من أساطير
الحب في هذه النصوص ،وإذا خلا الشعر من
أساطيره ،يفقد ما تعارف عليه من سرديات سحرية.
والأسطورة أصل بدئي للشعر ،تباهى بها وأعلن
هوسه بخصائصها ،لذا لم يتبرأ الشعر من الأسطورة
بل كرس انتماءه إليها ،وهذا بالضرورة يذهب نحو
شبكات رمزية ومجازات تحولت مل ًكا خا ًّصا للشاعر
الجيلاني ،ومن يعرف علوان قادر على تصور إمكانات
لسانه بالسرد وتدوير ما كان حاض ًرا من قبل،
واستعادة اللعب به وعليه من جديد .والملفت لي وأنا
أستعيد قراءة نصوصه في هذا الديوان مرات عديدة،
وأكثرها إمتا ًعا لي استماعي له في مساءات القاهرة