Page 34 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 34
العـدد 21 32
سبتمبر ٢٠٢٠
وبرع الجيلاني في تنويعات الجسد الأنثوي المبتكر. وتحلق أمامه ملونة ،صورة معروفة ،لكنها أسطورية
المألوف الأكثر ح ًّظا في المفردات المتداولة في كلمة تعزفها لذائذ الجسد الذي هو سر الأنوثة كما قال
الصباح وهي ذات معروف دلالي ،لكن لا يكتفي بذلك
ابن عربي لأن المجنون التقط هذه الأنثى وارتضاها
الذي تداولته الأفراد والجماعات منذ ابتداء الخلق وغابت معه للأبد ،وصحوة الشرق لحظة شروق
والتكوين حتى الآن ،والصباح فاتحة مثلى تفضي نحو الصباح والتسلح بآخذة أبدية تحوز عليها الأنثى
المغاير المبكر ج ًّدا ورؤية ما لم يره الفرد من قبل ،لذا
ذهب علوان الجيلاني وأشبع صباح حبّة البرد بكل ما وتتخلق أسرارها ،ويكون العاشق موز ًعا بين الجنون
هو غرائبي وأسطوري ،والشعر يحوز على مجاز قوي والعقل ،لكنه لا يرضى مفارقة الجنون ولا يقبل
في مفردة «الصباح» لأنها تفضي نحو ما هو أوسع بالصحو وكلاهما لهما حضور استدعى السيد المسيح
جغرافية ،كما أنها تلوذ بما هو بدئي ،منذ لحظة الخلق كما قال بورخس أن يكون وسي ًطا بين عاشقين ومثل
والتكوين ،حيث الميتافيزيقيا ونشوءات ما هو روحي هذه الوظيفة الأسطورية تشير لديونيسيس ولشبكة
وديني ،تعبي ًرا عن طاقة الشرق وما ينفتح عليه من من آلهة الشرق الشابة.
خصائص ومفاهيم وقيم( ،الشرق هو المكان الذي إنها فجر أنثى
تطلع منه الشمس ،هناك كلمة ألمانية جميلة للشرق
تعني أرض الصباح ،أما في الغرب فهناك كلمة تعني شجرة أغصانها عصافير ،تشبه شجرة السيد المسيح
«أرض الظهيرة» ،لا بد أنكم تتذكرون العنوان الشهير المثقلة بثمر التين وتطوف فوقها أغاني المجنون
لشبينغلر ويعني حرفيًا «الحركة السفلية لأرض العارف بالأنثى التي استلم مفتاحها عبر آيات الصباح
الظهيرة»). التي هلّت من الشرق الذي تحدث عنه بورخس
أظن أننا يجب أن نتخلى عن كلمة الشرق ،كلمة جميلة ووصفه بحكايات ألف ليلة وليلة ،هذا العدد /الرمز
كهذه لأنها تحمل في طياتها بمحض الصدفة كلمة هو الاسم السحري الذي حملته الأنثى وعرج عليه
« »Oroأي «الذهب» .في كلمة «شرق» نشعر كلمة ابن عربي :إنها مجرد أنثى التي ابتكرت حروبات
الإناث منذ ابتداء الفردوس ،وهي التي خولت العاشق
«ذهب» ،إذ عندما تشرق الشمس نرى سما ًء من ذهب.
أعود إلى ذلك البيت الشهير لدانتي حيث قال :فجر أن يعتاد سرديات التي لن تغادر رحمها إلا بعد
كالياقوت الشرقي. أن تستولد سرديات جديدة ،هذا هو الشرق أيتها
إن كلمة «شرقي» هنا معنيان :الياقوت الشرقي/ الأنثى ،يا ملوحة بالآيات ،إنك أول أنثى امتلكت نبوة
الذي أتى من الشرق ،وأي ًضا ذهب الصباح ،ذهب ذلك الأساطير.
الصباح الأول)1(. قال الشاعر كيبلينغ :ما إن نسمع نداء الشرق لن يكون
زحمة دلالية لما ينطوي عليه «الشرق» ،وهو الذي بمقدورنا سماع نداء آخر.
جعل السماء وحدها كاسية الصحراء ،ومغطية الشرق صحراء ،مقدسات ،احتراقات ،حروبات الإناث
الملتهبات بحنين لا يعرف النوم .ومثلما قال الشاعر
جغرافية الشرق كله ،الروحانيات /التوحيد /وعزل
الوثنيات وصعود إله واحد فقط. هيراقليطيس :إن كل شيء نار.
*** ولا يغيب المجاز في الذي قاله أول شاعر في بلاد
الإغريق وهو شاعر عالم الطبيعة مجازه يتمتع ببلاغة
قلنا اليومي واستعمالاته المتكررة ،لكن الشاعر علوان عميقة ،وهو الذي استثمر كل ما قالته البنى الذهنية
تطرف كثي ًرا بتوظيف المعروفات والمألوفات ،وهذا الأسطورية في جغرافيات عن الأنثى ،حيث اختصرت
نوع ابتكرته الشعرية الحديثة حتى تبدو المألوفات كل ما انطوت عليه الأساطير المعنية بها والمكرسة
ذات استعمالات قوية وقريبة للأفراد والجماعات، لها وظفت حتى الآن ،لكنه قال ما هو مجاز ويعني به
وذهب الشاعر إلى الإعلان الواضح الصريح: النار ،وقال ذلك فرويد الأنثى مشتعلة ،أي نار صاعدة
ماذا تفعل َن بعلوان أيتها العدنيات (ص)177 والرجل ماء نازل ،جندر تشاكلت رموزه ،ليس هذه
.................... مع مجازاتها ،بل مع غيرها ،لكني أستطيع القول بأن
كل ما قاله الشاعر علوان :ليس مجرد أنثى ،إنها نار،