Page 30 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 30

‫العـدد ‪21‬‬    ‫‪28‬‬

                ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬

‫علوان الجيلانى‬   ‫بد من القول بأن المستولد في ثمانينيات وتسعينيات‬
                 ‫القرن الماضي هي حداثة تحويل اليومي ببلاغته إلى‬

                   ‫مألوف ومعروف‪ ،‬حتى تمظهر في بعض التجارب‬
                       ‫وكأنه كلام سهل وبسيط‪ ،‬اعتاد الأفراد تداوله‬

                ‫وارتضت الناس التعارف عليه‪ ،‬لكن هذا الرأي لا يلغي‬
                     ‫سيادة الغموض الشعري والذي تبدى في أحيان‬

                 ‫عديدة وكأنه حجر صلد مثلما قال مولانا جلال الدين‬
                  ‫الرومي‪ ،‬وكلنا قرأنا كثي ًرا من شعر مولانا ونتذكره‬

                 ‫باستمرار‪ ،‬فهو مثير بما تستولده القراءة والاستماع‪،‬‬
                ‫لكننا بعد إعادة تمثيل القراءة من جديد ستواجهنا عقد‬

                   ‫واضحة في نصوص جلال الدين الرومي‪ ،‬وسيادة‬
                  ‫غموض‪ ،‬لذا قال مولانا بأن الغموض من خصائص‬
                   ‫الشعر‪ ،‬حتى وإن كان يوميًّا ومعرو ًفا ومألو ًفا‪ ،‬لأن‬

                    ‫مثل هذا الشعر لا يتخندق وسط السهولة‪ ،‬بل هو‬
                   ‫لا يقوى على تجاهل الغموض‪ ،‬إنه –الشعر‪ -‬مك ّون‬
                 ‫صعب‪ /‬سهل‪ /‬معقد‪ /‬غامض‪ ،‬وتمنحه هذه السمات‬
                  ‫شعريته وتحرك طاقته الجوهرية التي منحته فرص‬

                                      ‫البقاء حيًّا وراضيًا بالاتصال‪.‬‬
                      ‫ما يعنينا في معنى الشعر هو الأثر الذي يبذره‬
                   ‫في أرواحنا ودواخلنا ونظل مأخوذين بالهوس به‪،‬‬
                ‫والتمتع بطاقة الخدر الهادئ الكافي منه‪ ،‬لأن الشعر لا‬
                  ‫يكون في الخارجي‪ ،‬بل بالداخلي‪ /‬مكافئ اللغة‪ ،‬هي‬

                        ‫التي تبتكره‪ ،‬لذا لا يتشكل شيء خارج اللغة‪.‬‬
                   ‫والاقتراب للشعر بحاجة إلى إمكانات تلقي وسلطة‬
                  ‫قراءة لأنه يتشكل من صعب‪ /‬سهل ويخلق إيهامات‬
                    ‫عديدة‪ ،‬وما يميز المتلقي بالقدرة على التعامل مع‬
                ‫الشعر‪ ،‬التعرف بنفسه بوصفه مخلّ ًقا ومبتك ًرا للشعر‪.‬‬
                  ‫لأن فهمه والتقرب لمعناه يعني سمة كبرى للقارئ‪.‬‬

                      ‫الشعر المعني بالمألوف متعدد المعنى‪ ،‬ويذهب‬
                 ‫أحيا ًنا القارىء نحو وهم وجود معنى واحد‪ .‬هذا غير‬
                  ‫صحيح‪ ،‬فالشعر هو ما يثير الاستجابة وما يستولد‬

                   ‫التأثير الآني‪ ،‬اللحظي‪ ،‬لكن الشعر مزدحم بالإغواء‬
                    ‫والإيهام بما تم التوصل إليه‪ ،‬لأنه –الشعر– لحظة‬
                     ‫وصوله للمعنى‪ ،‬فإنه يغري بسبب سريان معناه‬
                  ‫الأول نحو معنى آخر‪ ،‬بمعنى لا يبقى ثابتًا ؛ بل هو‬
                ‫متحرك‪ ،‬ومثلما قال جادامير‪ :‬إن الشعري يحتفظ دائ ًما‬
                 ‫بخاصية غير محدودة‪ ،‬على نحو غريب‪ ،‬وهو أنه من‬
                   ‫خلال الشمولية الفعلية للغة يقدم الشعر شيئًا يظل‬
                ‫مفتو ًحا على جميع الأنواع الخاصة بالقول التخييلي‪..‬‬
   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34   35