Page 33 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 33

‫كم هي عناية علوان الجيلاني بالمرويات‪،‬‬                                        ‫أعاد َتها يا الله‬
‫لأن ذلك من خصائص المتصوفة بخلوتهم‬                                     ‫إ ّنها ليس ْت ُمج ّر َد أنثى‬
 ‫الصافية التي تقوده نحو فضاءات بعيدة‪،‬‬                     ‫إ ّنها حبّ ُة ال َبر ِد التي رأ ْي ُتها في المنا ْم‬

‫وعالية‪ ،‬تؤنسه وتشعل الجذوات في‬                                                   ‫(ص ‪)62‬‬

                                                          ‫هذه إحدى أهم السرديات التي كتبها‬

‫داخله‪ ،‬وتوقظ هوسه المدفون‪ ،‬ويتراكم‬                          ‫الشاعر ن ًّصا قريبا للكلام اليومي‬
                                                          ‫المألوف والمعروف‪ ،‬والذي لا يتكتم‬
‫هذا كله عبر التتالي ويتشكل الميثولوجي‬
                                                          ‫على ما فيه‪ ،‬بل يعاني من صمته بصوت‬

‫الذي يحوز عليه المتصوف‪ ،‬ويتسلل عبر‬                         ‫مسموع‪ .‬آيات مجنون‪ ،‬هو قال صفته‬
                                                          ‫هذه التي قلتها أنا منذ دراستي الأولى‪.‬‬
‫فجوات الشاعر‪ ،‬ويوظف كل ما فيه من‬
                                                          ‫مجنون غريب الطباع‪ ،‬ولا معقول‬

‫بركات تومي للأنثى‪ ،‬كما عند ابن عربي‬                         ‫الخيال‪ ،‬لأنه كثير الأسئلة وتكرارها‬
                                                          ‫من غير أجوبة ضياع وانشداه وضياع‬

                                                          ‫وسط مساحات شاسعة يراها المجنون‬

                                                          ‫أمامه وهو جالس بمكانه‪ ،‬عشق فريد‬

                                                          ‫غريب‪ ،‬قاد المجنون صوفيًّا ولاذ‬
                                                          ‫بعلاقته مع المقدس‪ ،‬لذا تكررت أسئلته‬

                                                          ‫(يا إلهي) إنه لا يعرف بما هو حاصل‪،‬‬

                                                          ‫كل ما يثير كوامنه لا يعرف عنه شيئًا‪،‬‬

                                                          ‫والشعرية العميقة طافية على السطح‪،‬‬

                                                          ‫والغاطسة في اللغة‪ ،‬الشاعر مجنون‬

        ‫ابن عربي‬                                                ‫وعاقل ووضع قلبه أمام المعشوقة‪ ،‬حتى تحول‬
                                                          ‫العاشق مبد ًعا للآيات لكنه ارتضى أن يكذب‪ ،‬وهذا أمر‬
                                   ‫أعاد َتها يا الله‬       ‫جميل‪ ،‬عندما قال‪ :‬م ْنذ سنوا ٍت وأنا رج ٌل عاق ٌل يعر ُف‬
                            ‫إ ّنها ليس ْت ُمج ّر َد أنثى‬
 ‫يستعيدك الشاعر ثانية وهو يلعب بمهاراته السردية‬             ‫النِّسا َء لكنِّه لا يرتج ُف عندما يرى عيو ِنه َّن‪ .‬هذا رمز‬
      ‫والحكي لديه شبكات متجاورة مع بعضها ولها‬             ‫عظيم‪ ،‬تحدثت عنه كثي ًرا في القسم الثاني من دراستي‬
    ‫حضور قوي‪ ،‬والإستعادة مخفية يوظف لها رم ًزا‬            ‫عن علوان الجيلاني‪ ،‬وهو الأول الذي التقط سر العين‬
‫ويومئ لاستحضارها‪ ،‬ففي نصوصه الغيبي الروحي‬                 ‫وأسس معناها وتعامل معها بوصفها فر ًجا‪ ،‬والعاشق‬
    ‫المتخفي على الميتافيزيقيا‪ ،‬حيث العلو والتسامي‬
  ‫وهيبة الصحراء الصامتة التي تتشوق بوله للصباح‬               ‫وحده يعرف ما تفعله العين وهي تطارد عاش ًقا في‬
  ‫وهو يطل سري ًعا ويقترن مع متع العاشق وجنونه‪،‬‬                                             ‫حضوره وغيابه‪:‬‬
      ‫إنه الشرق‪ ،‬فالصباح شرقنا الذي يوحي معر ًفا‬
   ‫لسر الأنوثة بطاقاتها المتراكمة والهائلة بشعائرها‬                                     ‫ماذا يحد ُث يا الله؟‬
  ‫وأساطيرها وسحرياتها‪ ،‬تفيض على العاشق‪ ،‬تجدد‬                                                 ‫أ ُّي ُة أنثى هذه؟‬
     ‫عقله‪ ،‬حتى تشهد الصباحات عليه عندما تركض‬
                                                           ‫علوان كثير الأسئلة‪ ،‬وسؤاله هذا كشاف لأنه يضيء‬
                                  ‫معاودة جنونه‪.‬‬              ‫س ًّرا من أسرار الأنثى التي قال عنها ابن عربي إن‬
‫لم تكن مجرد أنثى‪ ،‬بل هي امرأة سحرية‪ ،‬ذات شعائر‬
‫ودورات رقص تفرز كل العصافير الخاتلة تحت ثوبها‬              ‫سر الأنوثة لا الأنوثة‪ ،‬والتقاط علوان الجيلاني جوا ًبا‬
                                                            ‫لسؤاله الآية‪ ،‬لملم كل ما تعرف عليه المتصوفة من‬
                                                                     ‫رموز ذات شحنات إيروتيكية‪ /‬العصافير‬
                                                                ‫لق ْد أعاد ْت في لحظ ٍة ك َّل العصافي ِر إلى شجرتي‬
                                                                                        ‫أعاد ْتها ُمل ّون ًة ُت َغنِّي‬
   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38