Page 38 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 38

‫العـدد ‪21‬‬    ‫‪36‬‬

                                                     ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬

     ‫وحتى التاسع من أبريل عام‪2003‬م‪ .‬ربما يمكن‬                                  ‫والأيديولوجية وخلافه)؟‬
   ‫إيجاز شكل الصراع‪ :‬حرب تقليدية (فقد استخدمت‬              ‫كان القتال قدي ًما من أجل المجد الإلهي‪ ،‬ويعتبر‬
                                                           ‫«ميكافيللى» في كتابه «الأمير» أول من ميز بين‬
    ‫قنابل مسماة أم القنابل ولها قوة تدميرية هائلة‪..‬‬        ‫«المصالح» والاختلافات العامة والخاصة‪ ،‬فقال‬
  ‫وعدد محدود منها لا يصل إلى المائة قنبلة يكون له‬     ‫بالحرب العادلة التي هيمنت على المصطلح السياسي‬
  ‫أثر القنبلة الذرية التي استخدمت في اليابان)– تتسم‬      ‫الغربي‪( ..‬الحرب العادلة هي تلك التي تشتعل لأي‬
                                                     ‫سبب بعد اتخاذ قرارها بمعرفة أصحاب القرار‪ ،‬ولأية‬
      ‫عمليات تلك الحرب بالسرعة في تحقيق الهدف‬
   ‫التدميري (وبأكبر قوة نيران ممكن وبكل الأسلحة‬                                        ‫أسباب كانت!)‪.‬‬
‫المتاحة من طيران وصواريخ أساسا)–‪ ،‬سيناريو قابل‬            ‫كما يلاحظ المتابع أن فكرة «الحرب الشاملة» أو‬
  ‫للتحقيق يتسم بالليونة وحرية الحركة والتعديل من‬          ‫العالمية ربما أصبحت تاري ًخا‪ ،‬فالنزعة الإنسانية‬
‫أجل تحقيق الهدف (بأي وسيلة وبكل المتاح الممكن)–‬       ‫الآن ترفضها بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة‪ .‬فقد‬
   ‫وضع فكرة «الإبادة» محل التنفيذ إذا اقتضى الأمر‬        ‫ضعف احتمال اشتعالها أثناء فترة الحرب الباردة‬
    ‫(خصوصا أنه تم إنتاج قنابل ذرية محدودة يمكن‬       ‫بين أكبر قوتين في العالم (الولايات المتحدة والاتحاد‬
                                                         ‫السوفييتي)‪ ،‬وأي ًضا مع أية قوة عسكرية أخرى‪..‬‬
      ‫استخدامها لتدمير المدن الكبيرة فقط دون بقية‬       ‫وربما من أسباب ذلك ما شاهدته البشرية من آثار‬
   ‫المدن!)‪ -‬تجاوز السلطات الشرعية الدولية موضع‬        ‫التدمير الخرافي للقنابل النووية‪ ،‬والتجربة أكدت عدم‬
  ‫التطبيق العملي (وكأن التاريخ البشرى بكل معارفه‬         ‫احتمالها في وقت الصراعات المحدودة في مناطق‬
    ‫وخبراته وثقافاته لم يضف جدي ًدا أو حتى تعدي ًل‬
                                                                                              ‫مختلفة‪.‬‬
      ‫يذكر على هوية المغول في القرون الوسطى)‪..‬‬              ‫إلا أنه على الجانب الآخر لا يمكن التأكيد على‬
                  ‫ذلك كله في إطار خط حربي آخر‬             ‫استحالته وإن قلنا بعدم حتميته‪ ،‬فقد أنتجت الآن‬
                    ‫وموازى للحرب المشتعلة «هي‬           ‫«القنابل الذرية المحدودة والتي قد تصل قوتها إلى‬
                   ‫الحرب الإعلامية» (مع الاستفادة‬          ‫نسبة واحد إلى ثلاثين من قوة تلك التي فجرت‬
                                                       ‫على هيروشيما باليابان‪ .‬وأيضا يوجد ما نشر حول‬
               ‫بكل المنجزات التكنولوجية في مجال‬        ‫احتمال استخدامها (أي القنبلة الذرية) حسبما أعلن‬
                     ‫الاتصالات والإعلام بالتالي!)‪.‬‬       ‫من أن إسرائيل أخرجت قنبلتين ذريتين استعدا ًدا‬
                      ‫لم تكتمل الصورة بعد‪ ..‬فعلى‬           ‫لاستخدامهما في حالة الهزيمة النهائية لها أثناء‬
                          ‫الطرف الآخر سوف تقل‬
                        ‫هيمنة «الدولة» وتصل إلى‬                               ‫معارك حرب أكتوبر‪.»73‬‬
                          ‫حد التلاشي‪ ،‬وتقل هيبة‬       ‫في الثمانينيات من القرن العشرين أعلن للمرة الأولى‬
                             ‫المؤسسات الدولية‪..‬‬
                                                         ‫عن مصطلح «ما بعد الحضارة»‪ ،‬وهو الذي يروج‬
   ‫وتبرز فكرة الشك في‬                                 ‫لفكرة‪( ..‬أن الإنسان الجديد‪ ،‬إنسان ما بعد الحضارة‬

                                                         ‫مع بدايات القرن الواحد والعشرين‪ ..‬هو واحد من‬
                                                           ‫ثلاثة‪ :‬إنسان السيلينيوم وهو الإنسان الآلي‪ ،‬أو‬

                                                         ‫الإنسان الكربوني وهو المعدل جينيًّا‪ ،‬ثم الإنسان‬
                                                     ‫الطبيعي الذي بلا عاطفة‪ .‬وفى ضوء هذا الفهم الجديد‬
                                                     ‫للإنسان‪ ،‬طرحت فكرة «الإبادة» كعملية محتملة لفض‬

                                                                    ‫المنازعات وكف الصراع بين الدول)‪.‬‬
                                                           ‫بالتالي فالشكل المتوقع للتجربة الحربية خلال‬
                                                     ‫النصف الأول من القرن الجديد (على الأقل)‪ ،‬هو ما تم‬
                                                       ‫بالفعل على الأرض العراقية في العشرين من مارس‬
   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43