Page 43 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 43

‫‪41‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

‫كبير من محبيه‪ ،‬وكان قد حقق نجا ًحا باه ًرا في عصره‬        ‫صالونها المفكرون على اختلافهم في جميع مشارب‬
   ‫على مستوى الروايه والقصص القصيرة والأشعار‬                 ‫الفكر والثقافة والسياسة يجعلنا نؤكد على كونها‬
   ‫والحكم والفلسفة‪ ،‬وكان ذا خيال ملهم‪ ،‬كتب مقالات‬
                                                        ‫كانت أيقونة نسائية غير مسبوقه في هذا العصر؛ وفي‬
 ‫فلسفية في النثر الشعري باللغه الإنجليزيه‪ ،‬وخرج له‬          ‫مجتمع من المجتمعات العربية التي كانت ولازالت‬
  ‫عدة كتب باللغه الإنجليزيه على رأسها كتابه «النبي»‬         ‫المرأة فيه مكبلة بكل أنواع الأغلال‪ :‬فكرية وثقافية‬
                                                           ‫واجتماعية‪ ..‬إلخ‪ ،‬ولم يكن ذلك العصر الذي لم يكن‬
              ‫الذي حاز اعجا ًبا ونجا ًحا غير مسبوق‪.‬‬
 ‫وكانت المراسلات فيما بين مي وجبران قد بدأت عام‬         ‫للمرأة وجود حقيقي وفاعل اللهم إلا نفر قد لا يعد على‬
  ‫‪ 1912‬حين أرسلت إليه لتعبر له عن رأيها في روايته‬                                     ‫أصابع اليد الواحدة‪.‬‬

   ‫(الأجنحة المتكسرة)‪ ،‬واستمرت المراسلات بينهما‬          ‫تميزت مي بكونها كاتبة وشاعرة وخطابية من الطراز‬
‫لمده تزيد عن ‪ 19‬عا ًما؛ وربطتهما مشاعر من الاغتراب‬         ‫الرفيع‪ ،‬كما أنها كانت ممن يمكن إطلاق لقب باحثة‬
                                                          ‫عليها‪ ،‬حيث قدمت دراسات مهمة مثل دراستها التي‬
                      ‫والوحده والاحتياج العاطفي‪.‬‬
       ‫أما كافكا (‪ )1931 -1883‬فيعد من أفضل أدباء‬        ‫خرجت في كتاب حول باحثة البادية؛ كما كتبت مقالات‬
    ‫ألمانيا في فن الرواية والقصة القصيرة‪ ،‬و ُوصفت‬       ‫عدة في الصحف المختلفه و ُنشر لها العديد من الكتب‪،‬‬
   ‫أعماله بالواقعية العجائبية من شدة سوداويتها إلى‬        ‫تألي ًفا وترجم ًة‪ ،‬وكان أول ديوان شعر لها بالفرنسية‬
      ‫حد أن اصطك مصطلح «الكافكاوية» للتعبير عن‬
  ‫الكتابه الممتلئة بالسوداوية والعبثية‪ ،‬تناول الاغتراب‬         ‫تحت اسم “أزاهير الحلم”‪ ،‬وصدر لها بالعربية‬
 ‫الاجتماعي والقلق الإنساني بشكل مكثف في كتاباته‪،‬‬             ‫مجموعة كتب‪” :‬كلمات وإشارات”‪ ،‬و”المساواة”‪،‬‬
       ‫وجعله مرضه يعيش بالمصحات بعي ًدا عن أهله‬            ‫و”ظلمات وأشعة”‪ ..‬إلخ‪ .‬كما ترجمت ثلاث روايات‬
                                                        ‫منها رواية «ابتسامات ودموع» لمكس مولر‪ ،‬بالإضافة‬
                                        ‫وأحبابه‪.‬‬             ‫إلى ذلك نشرت العديد من المقالات والأبحاث في‬
‫وبدأت المراسلات بينه وحبيبته ميلينا (‪)1944 -1896‬‬            ‫كبريات الصحف والمجلات الأدبية والفكرية مثل‪:‬‬
                                                            ‫المقطم‪ ،‬والمحروسة‪ ،‬والزهور‪ ،‬والأهرام‪ ،‬والهلال‪،‬‬
     ‫عام ‪ 1920‬حتى عام ‪1923‬؛ ويبدو أن ميلينا حين‬
    ‫تعرفت على كافكا أُعجبت بما يكتب وشجعته على‬                                                ‫والمقتطف‪.‬‬
     ‫الاستمرار في النشر وعدم حرق كتاباته كما فعل‬           ‫أما جبران خليل جبران (‪ )1924 -1883‬ذلك الفنان‬
   ‫من قبل (يقال إن ‪ %90‬من كتابات كافكا قد أحرقها‬           ‫المبدع المتنوع الذي أتقن لغات عدة‪ ،‬ودرس الرسم‬
     ‫هو بنفسه كما تعرضت بعض كتاباته للحرق على‬           ‫والألوان المائية وقدم ما يزيد عن ‪ 700‬لوحه فنية‪ ،‬كما‬
  ‫يد هتلر)‪ ،‬كما تعاطفت معه لمرضه وبؤسه المعنوي‬            ‫أن أعماله الشعرية والقصصية لا تزال تؤثر في عدد‬
    ‫ومزاجه العليل‪ ،‬ومن ثم أحبها كافكا‪ ،‬وكانت ميلينا‬

      ‫مترجمة بازغة وصحفية وكاتبة مقالات بإحدى‬
                                       ‫الصحف‪.‬‬

‫عاشت ميلينا في براغ وكانت امرأه ثائرة وأيقونة أدبية‬
   ‫في سياق الحقبة التاريخية التي عاشت بها؛ عاشت‬

 ‫حياة عاصفة تحولت بعد وفاة والدتها من فتاة مطيعة‬
     ‫إلى فتاة ثائرة‪ ،‬ثم ثارت على كل ما لا يعجبها في‬

  ‫الحياة‪ ،‬بداية من أبيها إلى تقاليد العصر الذي عاشت‬
      ‫فيه‪ ،‬إلى حد أن أبيها أدخلها مستشفى للأمراض‬

    ‫النفسية لكي يمنع زيجتها الأولى من رجل يهودي‬
      ‫يكبرها في السن‪ ،‬وعملت ميلينا كحاملة للحقائب‬

  ‫بمحطات القطارت لكي تنفق على نفسها وتعيش‪ ،‬ثم‬
    ‫بدأت رحلتها في الكتابه والتحرر بعد تخلصها من‬

  ‫زيجتها الأولى التعسة‪ ،‬وتزوجت مرة أخرى وأنجبت‬
 ‫أبنة‪ ،‬لكنها ‪-‬وبسبب نضالها ضد النازية والشيوعية‪-‬‬
   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48