Page 46 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 46

‫العـدد ‪21‬‬              ‫‪44‬‬

                                                                                     ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬

‫عفوية وصد ًقا وتعبي ًرا عن حالته المزاجية والصحية‬
‫والاجتماعية؛ في حين كان كافكا كمن يقدم اعترافاته‬
‫بشكل يومي إلى القس بالكنيسه وهو يكتب ويعترف‬
‫لميلينا بكل ما يقوم به من أعمال‪ ،‬حتى وإن كانت هذه‬
‫الاعترافات تسيء اليه؛ وكلماته إليها تعبر عن شخص‬
‫عاشق يرغب ح ًّقا في قرب عشيقته والحياة معها؛ في‬
‫حين كانت رسائل جبران تعبر عن شخص حريص‬
‫على صورة معينة يريد إيصالها للآخر‪ ،‬وكلماته‬
‫المنمقة السحرية التي تداعب خيال مي ورومانسيتها‪،‬‬
‫وكأنه فهم مفاتيح شخصيتها جي ًدا وأخذ في اللعب‬
‫بمشاعرها الرقيقة‪ ،‬على هذا المنوال الرومانتيكي‪،‬‬
‫وأجد ذلك في هذه الكلمات «أنت يا مي شعب عظيم من‬
‫الجبابرة الفاتحين‪ ،‬وفي الوقت نفسه أنت ابنة صغيرة‬
‫في السابعة تضحك في نور الشمس‪ ،‬وتركض وراء‬
‫الفراشة‪ ،‬وتجني الأزهار‪ ،‬وتقمز فوق السواقي‪ ،‬وليس‬                                                   ‫مى زياده‬  ‫جبران خليل جبران‬

 ‫في الحياة شيء ألذ وأطيب لد َّي من الركض خلف‬                                         ‫من وجودي‪ ..‬إن وجودك هنا مؤكد أكثر من وجودي»‪،‬‬
‫هذه الصغيرة الحلوة والقبض عليها‪ ،‬ثم حملها على‬                                            ‫وفي رسالة أخرى يقول لها‪« :‬ميلينا‪ ..‬أنت بالنسبة‬
‫إلى البيت لأقص‬  ‫اكلتعفجَّيي‪،‬بةث املاغلرريبجةو‪،‬عحبتهاى‬  ‫معلنيكهبا َّيا‪،‬ل ثحمكايعالتى‬
 ‫تكتحل أجفانها‬                                                                        ‫لي لست امرأه‪ ،‬أنت فتاه لم أر مثلها‪ ،‬ولست اظن لهذا‬
                 ‫بالنعاس وتنام نو ًما هاد ًئا سماو ًّيا»!‬                               ‫أنني سأجرؤ على أن أقدم لك يدي أيتها الفتاة‪ ،‬تلك‬
 ‫هؤلاء التعساء الأربعة؛ اشتركوا جمي ًعا في كينونتهم‬
‫الأولى كأدباء لامعين في عصرهم‪ ،‬مطلعين على ثقافات‬                                      ‫اليد الملوثة والمعروقة المهتزة المترددة التي تتناوبها‬
‫مختلفة‪ ،‬اشتركوا في مشاعر الوحده والتأمل والاغتراب‬                                       ‫السخونة والبرودة)‪ ،‬وفي رسالة أخرى يكتب إليها‬
‫وأحلام اليقظة والانطواء على الذات والمرض والبعد‬
‫عن الأقارب‪ ،‬إما لأسباب اغترابية وإما باختيارهم‪،‬‬                                      ‫قائ ًل‪« :‬إنني أرغب رغبة شديدة في أن تكوني هنا‪ ،‬انني‬
‫متسعي الأفق‪ ،‬قراء مؤمنون بالحب والمشاعر‬                                                 ‫افتقدك»‪ .‬وكتب إليها ‪ 140‬رسالة في أقل من عشرة‬
‫الإنسانية الراقية‪ ،‬نذروا أنفسهم للأدب والفن والفكر‪.‬‬                                     ‫أشهر من عام ‪ 1920‬وهو ما يدل على حجم الفراغ‬
‫ٌترى هل كانت تلك التعاسة التي لاحقتهم بمثابة جناية‬                                        ‫العاطفي والحرمان والوحدة التي كان يشعر بها‪.‬‬
                                                       ‫الأدب عليهم؟‬                      ‫أما جبران فكان مدر ًكا وواعيًا لكل كلمة يكتبها إلى‬

                                       ‫المراجع‪:‬‬                                      ‫مي‪ ،‬على الرغم من كونه كري ًما في التعبير عن عواطفه‬
  ‫‪ -1‬صورة ال ُمبدع عاش ًقا‪ ..‬شذرات من رسائل العشق‬                                     ‫معها‪ ،‬فيداعبها بكلمات بريئة وحنون‪ ،‬مثال ذلك يكتب‬
‫التي كتبها الأدباء والشعراء‪ ،‬ترجمة‪ :‬نصر عبد الرحمن‪.‬‬
   ‫‪ -2‬الشعله الزرقاء‪ ،‬رسائل جبران خليل جبران إلى‬                                          ‫إليها قائ ًل‪« :‬هل تعلمين يا صديقتي أنني أجد في‬
                                                                                       ‫حديثنا المتقطع التعزية والأنس والطمأنينة؟»؛ و»هل‬
   ‫مي زياده‪ ،‬تحقيق سلمى الحفار الكزبري ود‪.‬سهيل‬                                         ‫تعلمين أنني أقول لذاتي إن هناك في مشارق الأرض‬
                                     ‫ب‪.‬بشروني‪.‬‬                                         ‫صبية ليست كالصبايا قد دخلت الهيكل قبل ولادتها‪،‬‬
                                                                                      ‫ووقفت في قدس الأقداس‪ ،‬فعرفت السر العلوي الذي‬
  ‫‪ -3‬مي زياده مأساة النبوغ‪ :‬سلمى الحفار الكزبري‪،‬‬
  ‫مجلد‪ ،2‬مؤسسة نوفل‪ ،‬بيروت ‪ 1987‬الطبعه الأولى‪.‬‬                                           ‫تخفره جبابرة الصباح‪ ،‬ثم اتخذت بلادي بلا ًدا لها‬
                                                                                      ‫وقومي قو ًما لها»‪ ،‬وفي رسالة أخرى يقول‪« :‬ما أجمل‬

                                                                                         ‫رسائلك يا مي وما أشهاها‪ ،‬فهي كنهر من الرحيق‬
                                                                                       ‫يتدفق من الأعالي ويسير مترن ًما في وادي أحلامي»‪.‬‬

                                                                                        ‫وعلى الرغم من هذه الكلمات العذبة إلا أنني أصدق‬
                                                                                         ‫مشاعر كافكا وأشعر بمدى صدقه في حبه لميلينا‬
                                                                                        ‫من غرام جبران لمي‪ ،‬فلقد كانت رسائل كافكا أكثر‬
   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51