Page 44 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 44
العـدد 21 42
سبتمبر ٢٠٢٠
النفسي والجغرافي ،فهاهو جبران يولد في لبنان ويحيا ميلينا يسنسكا فرانز كاكفا
بإنجلترا ،وهاهى مي تولد بفلسطين وتعيش بلبنان
تم اعتقالها عام 1939بعد احتلال النازيين لما تبقى
ثم تستكمل حياتها بالقاهرة ،وهاهى ميلينا تغترب عن من تشيكوسلوفيكيا ،لأنها تعمل في مجلة غير مرخصة
أهلها وتعاني مع زوجها وتشكو لكافكا بؤسها ،الجميع قانونيًّا ،فأ ُتهمت بالخيانة العظمى وظلت قيد الاعتقال
حتى ماتت عام ،1944ولم ت َر ابنتها إلا مرة واحدة
يتشاركون الأسى والكتابة؛ سواء كانت شعرية أو أثناء المعتقل.
قصصية أو روائية ،جميعهم يتراسلون ،ويقعون في حرصت ميلينا على أن تحيا حياة واقعية ملموسة،
الغرام عبر هذه المراسلات ،يعبرون عن مشاعرهم وهو عكس ما كان عليه كافكا الذي كان غار ًقا في
الجياشة في رسائل تحمل خفقات القلب وسقم الجسد خيالاته وأحلام يقظته ،ومستغر ًقا تمام الاستغراق
وهشاشة الروح؛ الملاحظ أي ًضا أن كافكا كان يحمل في في أحزانه وآلامه؛ وكان هدفها الأول من علاقتها
قلبه بعض السوء تجاه والده ،وكان يصفه بانه مستبد، بكافكا هو إخراجه من عزلته وتقوقعه ومساعدته
وهو ما عانى منه كل من جبران وميلينا أي ًضاُ .ترى على الاستمتاع بالحياة .ونلاحظ مدى اختلاف
هل يمثل كل من الأدب والمعاناه والرسائل المشترك شخصيتيهما ،يظهر ذلك في سطور كتبتها ميلينا إليه
الإنساني الذي جعلني أضمهم في سلسلة واحده؟! قائلة« :إن الحياة لساعتين أجدى من كتابة صفحتين!»؛
وعلى ذلك كان كافكا شديد الإعجاب بميلينا إلى حد أنه
لننظر أخي ًرا إلى مسألة الخلود :كيف تسنى لهؤلاء «نا ٌر وبأنها للحياة» معطاءة «قوه كانت بأنها وصفها
المبدعين الأربعة الخلود حتى اللحظة الآنية؟ بنظرة حيَّ ٌة».
سريعة سأقول كما قال أرشميدس وجدتها وجدتها: بقليل من التأمل سنجد تشاب ًها كبي ًرا بين المبدعين
إنها الأنثى ،هى التي أدخلت كافكا التاريخ وخلدت الأربعة (كافكا وميلينا -جبران ومي) فلقد كان كافكا
أسماءهم ،فهاهي ميلينا تحتفظ برسائل كافكا على يحمل جنسيتين الألمانية والتشيكية وكذلك الحال
جبران الذي حمل الجنسية اللبنانية والإنجليزية؛
الرغم من الصعوبات الحياتية التي مرت بها إبان وكان كلاهما كاتبًا من الطراز الرفيع؛ اشتركا في نوع
الحرب العالمية الثانية ،ورغم ذلك تمنح هذه الرسائل المرض حيث عانا كليهما من مرض السل ،وهو الذي
أدى الى نهايتهما في سن صغيره ،فمات كافكا وعمره
لإحدى صديقاتها المقربات وتطلب منها أن تنشرها 41عا ًما في حين مات جبران عن 48عا ًما.
حين تسمح الظروف؛ نعم إنها الأنثى! تشارك كل من جبران وكافكا ومي وميلينا في الاغتراب
لو تأملنا قلي ًل في هذا الموقف سنجد أن السيدة ميلينا
كانت تمتلك قراءة مستقبلية ورؤية سابقة لعصرها،
حيث فهمت جي ًدا قيمة إبداع كافكا ،ولهذا حرصت
على تشجيعه وترجمة كتاباته ،ثم نظرتها الثاقبة لهذه
الرسائل ورؤيتها بأنها تستحق الاهتمام وتستحق
النشر ،وأنها ستكون ذات بصمه في يوم من الأيام،
وقد كان ،فلقد أعادت هذه الرسائل كافكا إلى الحياه
وجعلت البعض يغرم بشخصية ميلينا التي كان لها كل
هذا التأثير على كافكا؛ وتم َنفض الثرى من فوق جسد
كافكا النحيل ليعاد قراءته من جديد من ِقبل الأجيال
المعاصره؛ فكيف لنا أن نتجاهل هذا الإعجاز الذي
قامت به هذه السيدة ميلينا من قبرها ،وكيف أعادت
كافكا إلى الحياة من جديد وجعلت منه شخ ًصا خال ًدا
برؤيتها الثاقبة وعقليتها الناضجة وحبها الخالد.
نستطيع أن نقول بأريحيه إن المرأه حينما تحب
حبًّا صاد ًقا يكون خال ًدا رغم كل الصعوبات التي قد
تواجهها؛ وتمتلك القدرة على تخليد هذا الحب -شرط
أن يكون صاد ًقا بكل معنى الكلمة -وهو ما لا يملكه ولا
يستطيع القيام به الرجل بأي حال من الأحوال؛ وهذا