Page 41 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 41

‫‪39‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

     ‫على عدة أسس (تفصيليًّا بكتاب الحرب‪ :‬الفكرة‪-‬‬         ‫العبرية‪ ،‬حيث إن العلوم تعد يهودية‪ /‬عبرية طالما كان‬
‫التجربة‪ -‬الإبداع) للسيد نجم‪ ..‬منها التصنيف بالنظر‬         ‫المخترع أو المكتشف أو العالم يهود ًّيا (أينشتين مثلا‬
‫إلى الكاتب‪ :‬المشارك في التجربة على أرض المعركة‪-‬‬
                                                                                         ‫ونظرية النسبية)!‬
   ‫ثم المراسل الحربي الذي يعايش الحياة العسكرية‬               ‫بتلك المقولة تدعي إسرائيل أنها تجاوزت مرحلة‬
 ‫والمدنية– ثم المدني الذي يعيش في المدينة أو القرية‬
                                                                ‫سابقة‪ ،‬وعلى التاريخ أن ينساها‪ ،‬وهي مرحلة‬
        ‫إلا أنه على تأثير وتأثر بأحداث جبهة القتال‪.‬‬        ‫إنشاء وطن قومي لليهود‪ ،‬ثم بناء دولة عصرية‪ ،‬مع‬
      ‫كما يمكن تصنيف تلك الأعمال بالنظر إلى زمن‬
   ‫الكتابة‪ ..‬أثناء أو بعد المعارك (والرواية تحدي ًدا في‬       ‫تلك المرحلة من سلبيات وضحت لحقوق العرب‪،‬‬
       ‫حاجة إلى فترات أطول لتمثل الواقع المعاش)‪.‬‬            ‫خصو ًصا عرب فلسطين‪ .‬وهو بالضبط ما عبر عنه‬
    ‫أما بخصوص التجربة‪ ،‬فالحرب المستقبلية تتسم‬            ‫أحد مفكريهم بأنه يأسف لكل ما حدث‪ ..‬لكن ما حدث‬
  ‫بسرعة الإيقاع‪ ،‬التدمير‪ ،‬وإن بدت باستخدام أسلحة‬          ‫قد حدث!! والمصطلح يعنى «الحركة القومية للشعب‬
   ‫تقليدية إلا أنها شديدة الضراوة‪ ،‬مع تحقيق الهيمنة‬
     ‫وعدم ضرورة بقاء القوات المنتصرة على صور‬                  ‫اليهودي» (وهو التعريف الذي قدمه جلال الدين‬
‫الاستعمار القديم‪ ..‬كل ذلك في ضوء الحرب الإعلامية‬              ‫عز الدين على‪ -‬مجلة العربي‪ -‬العدد‪ /530‬يناير‬
  ‫التي لا تقل أهمية وضرورة‪ ..‬وكل ما سبق في إطار‬            ‫‪2003‬م)‪ .‬ومع ذلك فالجميع يعلم أن اليهودية ديانة‬
   ‫البعد الأيديولوجي الجديد «ما بعد الحضارة» الذي‬         ‫سماوية يعترف بها المسلم‪ ،‬وليست قومية تربط بين‬

              ‫يضع «الإبادة» ضمن مقولاته المباحة‪.‬‬                                ‫شتات اليهود في العالم كله‪.‬‬
‫ولا يمكن إغفال اتفاق القوى الكبرى على عدم محاربة‬               ‫نجح الفكر الصهيوني في تقديم البديل الفكري‬
                                                              ‫لمشاكل إسرائيل الداخلية والتناقضات بين يهود‬
    ‫بعضها البعض‪ ،‬مع شبه استحالة الحرب النووية!‬
  ‫الآن‪ ..‬هل يصلح هذا التصنيف مع معطيات التجربة‬                    ‫الداخل (بإسرائيل) على اختلاف جنسياتهم‬
                                                         ‫وتوجهاتهم‪ ،‬بل ومذاهبهم الدينية‪ ..‬وبين يهود الداخل‬
                                ‫الحربية الجديدة؟‬         ‫والخارج (حيث إن نسبة يهود إسرائيل تمثل ‪ %35‬من‬
     ‫جنس الرواية با ٍق مثل بقاء الحرب التقليدية على‬
‫الرغم من التقدم التكنولوجي الهائل‪ ،‬وعلاقتها بالحرية‬                                     ‫جملة يهود العالم)‪.‬‬
    ‫أساسي وجذري‪ ..‬والحرية معززة للرواية في كل‬              ‫بينما فترة «الحداثة» تبنت الفكر المحدد للاشتراكية‬
‫الأحوال‪ ،‬في حالة توافرها أو البحث عنها‪ .‬إلا أن كتابة‬
 ‫الرواية أثناء المعارك‪ ،‬يكاد يعد من غير المتوقع‪ ،‬كما‬           ‫والرأسمالية‪ ،‬تتبنى فترة «ما بعد الحداثة» أفكار‬
  ‫أن كتابة الرواية بعد الحرب لن يكون إلا بعد فترات‬         ‫غائمة ومفاهيم أكثر غمو ًضا مثل‪« :‬حقوق الإنسان»‪،‬‬
‫طويلة‪ ،‬كي تعبر عن واقع الحال‪ ،‬وﺇلا أصبح الغموض‬           ‫«محاربة الإرهاب»‪« ،‬الديمقراطية الليبرالية»‪ ..‬وغيرها‪.‬‬
   ‫والترميز الغائم هو السمة الغالبة‪ .‬قد تكون لبعض‬         ‫وبذلك تتجاوز إسرائيل (حسب ظنها) كل ما كان من‬
   ‫الموضوعات الغلبة‪ ،‬كالبكائيات والبحث في الرموز‬
                                                                          ‫سلب ونهب لحقوق عرب فلسطين‪.‬‬
         ‫التاريخية والتراثية‪ ،‬مع التسجيل غير الفني‪.‬‬         ‫إن الواقع المعاش اليومي للشعب الفلسطيني يجعل‬
 ‫كما سيختفي الكاتب الروائي أثناء المعارك‪ ،‬أما بعدها‬      ‫المتابع على حذر‪ ..‬كيف تتقابل مع التوسع اللاأخلاقي‬
                                                          ‫الذي يتابعه الجميع؟ وان كانت من إجابة واستنتاج‪..‬‬
   ‫فقد يقل الإنتاج الروائي لقلة كتابها‪ ،‬وإن لم يخت ِف‬     ‫فالتجربة الحربية مازالت هي المحور الأساسي الذي‬
‫الروائي المعبر عن الروح الوثابة المتطلعة لغد أفضل‪..‬‬        ‫يشكل الأدب العبري‪ ،‬فض ًل عن تشكيله لكل مناحي‬
 ‫لكن بعدد محدود! وعلى الجانب الآخر (للمنتصر) لن‬             ‫الحياة هناك‪ .‬مازالت الحقيقة‪« :‬أن التجربة الحربية‬

   ‫يعدم روائي منتفخ الأوداج يمجد الانتصار والمجد‬               ‫هي مدخل أية دراسة لحركة الأدب في المجتمع‬
                                          ‫الوليد‪.‬‬                                             ‫الإسرائيلي‪.‬‬

‫في النهاية قد تكون الرواية الوثائقية هي أهم الأشكال‬           ‫هل ستعبر الرواية عن التجربة الحربية‬
                                       ‫المتوقعة!‬                            ‫المتوقعة؟‬

                                                           ‫يمكن النظر إلى تصنيف القص في التجربة الحربية‬
   36   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46