Page 45 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 45
43 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
ما يجعلنا نتساءل حول رسائل ميلينا
إلى كافكا وكيف أضاعها ذلك المحب
الكسول ،ولم نتحصل على رسائل
أصدق مشاعر كافكا وأشعر بمدى ميلينا اللهم إلا نذر يسير منها ،في
صدقه في حبه لميلينا من غرام جبران حين احتفظت هي برسائله التي تتجاوز
لمي ،فلقد كانت رسائل كافكا أكثر المائة في زمن الحرب العالمية الثانية!
كذلك الحال بالنسبه لرسائل مي إلى
عفوية وصد ًقا وتعبيًرا عن حالته جبران؛ لن نجد إلا القليل ج ًّدا ،لماذا؟
في ظني أن ذلك يعود إلى طبيعة
المزاجية والصحية والاجتماعية؛ في الرجل ،فهو كسول بطبعه في الحب ،لن
حين كان كافكا كمن يقدم اعترافاته يرهق نفسه في لملمة أوراق لا ُتغني
ولا ُتشبع من جوع ،كما أن طبيعة حبه
بشكل يومي إلى القس بالكنيسه استهلاكي أكثر من كونه حبًّا خال ًدا!
وهو يكتب ويعترف لميلينا بكل ما هذه الملحوظه حول ضياع رسائل
كل من ميلينا ومي إلى كافكا وجبران؛
يقوم به من أعمال والتي أفسرها بأن الأنثى عادة ما
تحتفظ بكل ما تتلقاه من حبيبها في
حين لا تلقى هداياها أو رسائلها نفس
هذا الاهتمام ،كان قد َعبر عنها الأخوين
رحباني بكلمات أغنية فيروز الشهيرة «بكتب اسمك
يا حبيبي عالحور العتيق» .هكذا إذن يكون حب المرأه
بها واستسلامها لأحزانها التي أدت بها إلى الانهيار خال ًدا ،أما حب الرجل فهو على أقل تقدير استهلاكي
العصبي والنفسي.
لحظي!
ولذك ففي ظني أن الأكثر معاناة وظل ًما في قصص وبعي ًدا عن هذه النظره لعمق عشق الرجل من عدمه،
الأربعة هي مي زياده التي ظلت أسيرة العادات
فإن لهذه الرسائل دلالات عميقة أخرى قد تعكس
والتقاليد العربية ،وأسيرة مشاعرها النقية الشفافة شخصية الرجل المبدع والمرأة المبدعة؛ والاختلاف
مخلصة إلى أن قادها ذلك إلى المرض والإيذاء النفسي الكبير بينهما ،وأرجو ألا يراني البعض متجنية على
كافكا وجبران اللذين لم يكونا مخلصين لحبهما بشكل
البالغ الذي أودى بحياتها فيما بعد ،ويختلف الحال أو بآخر ،ففي ظني أن الأنثى أكثر صد ًقا في عشقها؛
بالنسبه لميلينا حيث إن العادات والتقاليد في النمسا
ودليلنا أننا سنجد سيرة جبران الحياتية عامرة
تختلف بشكل كلي عما عاشته مي بالعالم العربي، بقصص عشيقات وحبيبات عديدات؛ وكانت علاقته
بالاضافة إلى كون ميلينا امرأه متحررة بالمقارنة بماري هنسل من أكثر العلاقات التي حيرت الجميع
بالحقبة الزمنية التي عاشتها ،وفي حين كانت ميلينا من حيث ماهية العلاقة وشكلها ،وهل كانت غرامية أم
ثائرة على كل القيود المجتمعية آنذاك؛ كانت مي تدافع أنها محض استغلال من جبران للوصول إلى نوع من
عن هذه العادات والتقاليد ولا ترى فيها أي غضاضة أنواع الاستقرار الذي يحتاجه المبدع لكي يستمر في
وتتماشى معها بكل بأريحية.
كانت مي جياشة العواطف تجاه جبران في حين تميزت إبداعه؛ على الجانب الآخر نجد أن مي كانت صادقة
مشاعر ميلينا نحو كافكا بشيء من الهدوء على عكس وبريئة في مشاعرها بشكل كبير ،نلاحظ ذلك في
كلماتها القليلة التي عثرنا عليها مما أرسلته إليه؛ والحق طبيعتها ،وهو ما كان يجعله شديد اليأس والحزن حتى
أنه كان يشاركها يومياته الحياتية بكل تفاصيلها ،لكي أن علاقة جبران بمي مثيرة للاهتمام كثي ًرا وتجبر
يشعر بمشاركتها له في المكان ،نجد ذلك في قوله: الإنسان العادي على الشعور بالتعاطف بشكل كبير
«انك تكونين حيث أكون ،وجودك كوجودي وأكثر كثي ًرا مع شخصيتها الإنسانية الخلابة ،والظلم الذي حاق