Page 20 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 20

‫وإذا كان «بارت» ألح مراًرا في‬

‫مقاله «موت المؤلف» على‬                                                   ‫التسليع والاستهلاك‪ ،‬على‬
‫الطبيعة المتناصة للنصوص‪ ،‬فإن‬                                         ‫النقيض من ذلك‪ ،‬يمارس النص‬
‫ما يلفت الانتباه هو أنه لم يشر‬
‫قط إلى مصطلح التناص الذي يبرز‬                                            ‫«تأجي ًل لا نهائيًّا للمدلول‪،‬‬
                                                                     ‫والنص يكون معو ًقا ‪،Dilatory‬‬
                                                                      ‫ومجاله هو ذلك الدال؛ والدال‬
                                                                     ‫لا يجب أن يتم تصوره بوصفه‬

‫بوضوح في أعماله التالية‬                                              ‫«القسم الأول من المعنى»‪ ،‬أي‬
                                                                     ‫رواقه المادي‪ ،‬ولكن بالأحرى‪،‬‬

                                                         ‫رولان بارت‬  ‫على النقيض من ذلك‪« ،‬آثاره‬
                                                                     ‫‪ .»Aftermath‬إن النص يشير‬

     ‫على العمل بفكرة الأبوة ‪ ،Filiation‬إن العمل يتم‬                          ‫إلى لا نهائية الدال واللعب الحر‬
 ‫إدراكه في التصورات التقليدية من خلال فكرة الأبوة‬        ‫أو «التوالد المستمر للدال»‪ ،‬ولذلك يدمر النص المركز‪،‬‬

    ‫أو النسب‪ ،‬فالكاتب في ظل هذه التصورات يكون‬                  ‫«إنه يتم تشييده أو بنينته ولكن بلا مركز‪ ،‬وبلا‬
     ‫معرو ًفا بأنه «الأب‪ ،‬المالك لعمله‪ ،‬والعلم الأدبي‪،‬‬   ‫انغلاق»‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪ :‬إن النص يشبه اللغة‪« :‬نسق‬
    ‫من ثم‪ ،‬يعلمنا أن نحترم المخطوطة التي لم تطبع‬
   ‫‪ Manuscript‬والمقاصد المعلنة للكاتب‪ ،‬والمجتمع‬                            ‫بلا نهاية أو مركز»‪)59-58.P( .‬‬
     ‫يسلم بشرعية علاقة الكاتب بعمله»‪ .‬يقوم النص‬              ‫وتتعلق الخصوصية الرابعة التي يتمايز بها النص‬
  ‫بعملية تدمير لتلك الأبوة وشرعية النسب‪ ،‬مستبد ًل‬           ‫على العمل بتعددية النص‪« ،‬ذلك لا يعني فقط أن له‬
   ‫إياها بشرعية الدال الفاقد لأصله ونسبه‪ ،‬إن النص‬        ‫معاني متعددة ولكنه ينجز أو يحقق تعددية ‪Plurality‬‬
‫«تتم قراءته بدون تسجيل الأب ‪Fathers inscription‬‬           ‫المعنى ذاتها‪ :‬أي تعددية لا يمكن اختزالها»‪ .‬إن النص‬
  ‫واستعارة النص تكون منفصلة عن استعارة العمل‪،‬‬            ‫هو اجتياز وعبور وارتحال دائم‪ ،‬ولا يعتمد على تأويل‬
   ‫فالأخيرة تشير إلى الصورة لأصل ما ‪Organism‬‬                 ‫ينتهي به إلى معنى محدد أو مدلول متعالى ثابت‪،‬‬
  ‫واستعارة النص هي تلك الشبكة»‪ .‬النص يتخلق من‬               ‫وإنما يعتمد على «الانفجار‪ ،‬على التبعثر»‪ .‬فتعددية‬
  ‫الكاتب ويقضى عليه‪ ،‬ويستبدله بفاعلية التناص‪ ،‬إن‬              ‫النص لا تعني غموض محتواه‪ ،‬وإنما هي تعددية‬
 ‫الكاتب لا يمكن أن يعود من خلال نصه‪« ،‬إنه يصبح‬           ‫الدوال التي تنسجه‪ ،‬فالنص نسيج‪ ،‬ولا يمكن أن يكون‬
   ‫كاتبًا ورقيًّا»‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪« :‬إن الأنا التي تكتب‬  ‫ن ًّصا إلا من خلال اختلافه‪ ،‬والاختلاف «لا يعني تفرده‬
     ‫النص لم تكن مطل ًقا أي شيء سوى أنا ورقية»‪.‬‬             ‫‪ ،»Individuality‬وإنما يشير إلى طبيعته المتناصة‪،‬‬
                                                          ‫فالنص منسوج كام ًل من «الاقتباسات‪ ،‬والمرجعيات‪،‬‬
                                    ‫(‪)62 -61.P‬‬           ‫والترددات‪ :‬أي اللغات الثقافية»‪ .‬هذه الطبيعة المتناصة‬
‫النص إنتاجي والعمل استهلاكي‪ ،‬تلك هي الخصوصية‬              ‫تضعه دائ ًما في موضع الارتحال الدائم‪ ،‬والاختلاف‪،‬‬
                                                             ‫وانتهاك الحدود وتجاوزها‪ ،‬وتجعله قاب ًل للإدراك‬
   ‫السادسة التي يتمايز بها النص على العمل‪ ،‬فالعمل‬         ‫من خلال استراتيجية التناص‪ ،‬ذلك لأن «النص نفسه‬
   ‫«موضوع للاستهلاك»‪ ،‬ويخضع إلى ما يطلق عليه‬             ‫يكون متنا ًّصا‪ Intertext‬لآخر»‪ .‬واستراتيجية التناص‬
    ‫ثقافة الاستهلاك‪ ،Consumer Culture‬أما النص‬              ‫لا تبحث عن أصل المعنى‪ ،‬عن «المصادر والتأثيرات‬
  ‫فإنه يدفع العمل ناحية اللعب الحر والإنتاج‪ ،‬ويجنبه‬      ‫لعمل ما التي يمكن أن ترضى أسطورة الأبوة وخرافة‬

      ‫الوقوع في أسر الاستهلاك‪ ،‬هذا يعني أن النص‬               ‫النسب‪ ،‬إن اقتباسات أي نص‪ ،‬يكون مؤل ًفا منها‪،‬‬
‫«يتطلب محاولة لإلغاء (أو على الأقل إنقاص) المسافة‬          ‫تكون مجهولة الأصل ولا يمكن استردادها‪ ،‬ومن ثم‬
                                                          ‫مقروء من قبل‪ :‬إنها اقتباسات بلا علامات تنصيص»‪.‬‬
   ‫بين الكتابة والقراءة‪ ،‬ليس بإسقاط القارئ المكثف‬
    ‫على العمل‪ ،‬ولكن بوصل الاثنين م ًعا في كل واحد‬                                            ‫(‪)60 -59.P‬‬
 ‫وفي الممارسة الدالة نفسها»‪ .‬إن القراءة الاستهلاكية‬        ‫وتتعلق الخصوصية الخامسة التي يتمايز بها النص‬
   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25