Page 13 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 13
11 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
بجزء عظيم من أملها في تحقيق استقلالها الخارجي حسين شهوده له وانخراطه فيه .وليس خافيًا ما كان
وسيادتها الداخلية. لتعريف إدوارد تيلور Edwrad Tylorللثقافة من
وقد شعرت كما شعر غيري من المصريين ،وكما ذيوع .يعرف تيلور الثقافة /الحضارة بأنها :الثقافة
شعر الشباب من المصريين خاصة وإن باعدت السن أو الحضارة ،بالمعني الإثنوجرافي الواسع هي ذلك
الكل المركب الذي يشمل المعرفة ،والاعتقاد ،والفن،
بينهم وبيني ،بأن مصر تبدأ عه ًدا جدي ًدا من حياتها والأخلاق ،والقانون ،والتقاليد ،وأية خبرات أخرى
إن كسبت فيه بعض الحقوق ،فإن عليها أن تنهض فيه يكتسبها الإنسان بوصفه فر ًدا في مجتمع بعينه)7(.
بواجبات خطيرة وتبعات ثقال( .مستقبل الثقافة)11 /
لذا لا أحسب أن حسين قصد إلى مناقشة التعليم
قبل أن ننتقل إلى السبب الثاني الذي دعا حسين وحده ،واض ًعا كلمة الثقافة على الكتاب من باب الخطأ
لإملاء كتابه ،علينا أن ننتبه لصدارة فكرة الاستقلال أو التعميم الساذج .هنا تظهر آلية الإجمال المخل في
الوشيك ،وما يجب على مصر أن تتحمله من تبعات
مستواها الأول ،إذ تتركز القراءات معظمها على آراء
أحسبها آتية في وعي طه حسين من وضع مصر حسين في التعليم ملقية بمئات الأفكار الجزئية -التي
الدولي ،ومكانتها الإقليمية ،وثقافتها الرائدة جمي ًعا.
وهو لا يبتهج بالاستقلال والحرية ابتهاج المراهق يصح حسبانها أفكا ًرا تأسيسية مهمة -إلى مقبرة
الفكري الذي يراهما غاية ُيسعى إليها ،إنما يحذر مما النسيان .نحن لسنا في معرض الاختيار بين حدي
ثنائية بنيوية تقليدية :هل كان كتاب حسين عن الثقافة
يمكن أن ينتج عنهما من انحطاط وتأخر لا يليقان أم عن التعليم؟ سؤال موجع في حديته التي تغلق
بمصر وتاريخها: أفق التأمل الحر للتشابكات الثرية في هذا الكتاب/
المشروع الذي يتعامل مع التعليم بوصفه ركن الثقافة
وما أعرف أني أشفقت من شيء كما أشفق من الركين ،ملقيًا أضواء مختلفة على مساحات أخرى
الاستقلال بعد أن كسبناه ،ومن الحرية بعد أن ظفرنا غيره ،ومطل ًقا عد ًدا من الأفكار التي تستحق التأمل
بها ،لأني أخشى أن يغرانا عن أنفسنا ،ويخيلا إلينا حول مبادئ عامة لتأسيس الحراك الثقافي.
أننا قد وصلنا إلى آخر الطريق حين وصلنا إليهما ،مع في ظل الجدالات النشطة لمفهوم الثقافة والتي كان
طه حسين في القلب منها ،جاء كتاب «مستقبل الثقافة
أننا لم نزد على أن ابتدأنا بهما الطريق. في مصر» مغل ًفا بشعور الاستقلال وتحمل المسئولية
وأشفق منهما لأنهما يحملاننا تبعات جسام ح ًّقا أمام
عن بلد يقترب من الخروج للنور والتمتع بحريته
أنفسنا أو ًل ،وأمام العالم المتحضر ثانيًا. كاملة بعد قرون من الاحتلال .إن التعبير الأقرب
وأنا أخاف أشد الخوف ألا نقدر هذه التبعات ..أخاف إلى ذهني هنا لتصوير شعور طه حسين وغيره من
أن نقصر في ذات أنفسنا ،فنهمل مرافقنا أو نأخذها المثقفين والناشطين السياسيين الوطنيين هو «صدمة
في غير حزم ولا جد فنتأخر ونحن خليقون أن نتقدم، الولادة» ،لكنها صدمة وجب على وعي طه حسين
وننحط ونحن خليقون أن نرتقي ،ويعود الاستقلال وأقرانه تخفيفها ،وهو ما يحاول فعله في «مستقبل
والحرية علينا بالشر وهما خليقان ألا يعودا علينا إلا الثقافة في مصر» .لقد بدا أن مصر تقترب من تحقيق
حضور إقليمي وعالمي مختلف جذر ًّيا -هكذا كانت
بالخير كل الخير( .مستقبل الثقافة)16 / الآمال ساعتها -عن حالة التبعية التي فرضت على
ما هذا الخوف المحيط في لحظات كان الأحرى مصر بسبب موقعها الاستراتيجي لقرون طويلة ثقيلة.
بالمثقف أن يتفاءل فيها تفاؤ ًل غير محدود أو يقول طه حسين في الفقرات الأولى موض ًحا السياق
منقوص؟ يبدو أن طه حسين كان –كعادته -يرى ما لا الأوسع لكتابه ،الذي يهدره الاختزال المخل :أغراني
يراه المبصرون؛ فقد آلت الحرية والاستقلال بنا إلى بإملاء هذا الكتاب أمران :أحدهما ما كان من إمضاء
المعاهدة بيننا وبين الإنجليز في لندرة .ومن إمضاء
ما كان الدكتور يخشاه ويحذر منه. الاتفاق بيننا وبين أوروبا في منترو ،ومن فوز مصر
لكن الملاحظ على الفقرات السابقة من كلام حسين أنه
يعلي أيما إعلاء من قيمة حكم الدول المتحضرة علينا،
وهو أمر يتكرر في كلامه ،وكأنه يرى إليهم وإلينا من
أعينهم هم ومن قيمهم هم ،وآمالهم هم فينا ،وليس
من عين مثقف منتم للعالم المنتهك من قبل قوى