Page 12 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 12

‫العـدد ‪21‬‬               ‫‪10‬‬

                                                             ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬

‫الفكر ونتوءاته‪ ،‬هو ما‬

‫جعل الشيطان يسكن في‬

‫التفاصيل لدى الثقافات‬

‫العربية دون سواها‬

‫بالمعنى السلبي للمقولة‪.‬‬

‫الآلية‪ /‬الآفة الثانية التي‬

‫تسم عمليات القراءة‬

‫المنصبة على نتاجات الفكر‬

‫في الثقافات العربية هي‬

‫الاستخدام السياسي‪ ،‬وهي‬

‫آلية لم يسلم منها نص‬

‫فكري مهم حتى القرآن‬

‫رغم قداسته‪ ،‬وربما بسبب‬      ‫إدوارد تيلور‬                                  ‫فتحى سرور‬  ‫نجيب محفوظ‬

‫قداسته‪ .‬آليتا الإجمال‬

‫والاستخدام السياسي‬                                                ‫الإقصائي الذي يكاد ينزلق إليه‪ ،‬فقرر أن صيغة‬
‫متصلتان فيما بينهما اتصا ًل قو ًّيا‪ ،‬بحيث ُت َعبِّد إحداهما‬    ‫أفعل لا محل لها في حكم العاقل على ُخلُق أو قدرة‬
‫الطريق أمام الأخرى؛ الإجمال وطمر تفاصيل الخطاب‬                ‫أو جمال‪ ،‬ثم هو ينسب رأيه إلى الظن ضار ًبا بنفسه‬
                                                                ‫المثل في نسبية الحكم وقابليته للتغير‪ .‬لا تنفصل‬
‫الفكري وتناقضاته ومستوياته المتنوعة يسهل إلى‬
                                                                 ‫إشكالية الحكم هنا أي ًضا عن فكرة الخبير محتكر‬
‫حد بعيد الاستخدام السياسي‪ ،‬ما يجعل الإجمال‬                     ‫آليات الحكم‪ ،‬وهو ما يمثل في حد ذاته تسل ًطا خفيًّا‬
                                                             ‫يقع القارئ تحت ثقله جاه ًل من أين يأتيه؛ كحالة من‬
‫المخل هد ًفا يتغياه الخطاب السياسي‪ ،‬وتعمل القوى‬
                                                                                 ‫يعاني ضغط الهواء في مرتفع‪.‬‬
‫السياسية على تأمين قنوات إنتاجه ونشره وترسيخ‬                        ‫الإجمال التلخيصي الساعي للإمساك بجوهر‬
                                                               ‫متخيل للخطاب ‪-‬الجوهر الذي يعد هو ذاته متغي ًرا‬
                            ‫العمل به على نطاق واسع‪.‬‬                 ‫طب ًقا لعمليات القراءة‪ -‬أسهم بقوة في تسهيل‬
                                                                ‫إطلاق الأحكام بخفة وغزارة مدهشين‪ .‬حتى بدت‬
‫لا أحسب أنني بحاجة في هذا السياق لتوضيح معنى‬                 ‫الثقافات العربية كأنها معجونة بماء الأحكام التقييمية‬
                                                                  ‫الاختزالية المطلقة؛ هذا الكاتب «مستغ ِرب»‪ ،‬وذا‬
‫الاستخدام السياسي للخطاب المنتج للأفكار بأكثر‬                ‫«أصولي»‪ ،‬نوال السعداوي «منفلتة»‪ ،‬ونجيب محفوظ‬
                                                              ‫«واقعي»‪ ،‬إلى غير ذلك من الاختزالات المجرمة التي‬
‫من معناه الشائع‪ ،‬وهو الاستغلال النفعي للخطابات‬               ‫لا تخترق‪ /‬تتجاهل طبقات الخطاب الكثيفة والمتعددة‬
                                                             ‫الاتجاهات فحسب‪ ،‬بل تطيح بتلك المستويات وتطمر‬
‫الفكرية بعد ممارسة عنف تأويلي عليها‪ ،‬بهدف دعم‬                ‫ما تموج به الأسطر من تفاصيل لينة يمكنها أن تنفلت‬
                                                               ‫مبتعدة عن الوعي مع أقل درجة عنف تأويلي‪ ،‬وهو‬
‫مشروعية طائفة أو جماعة ذات توجهات وأهداف‬                      ‫عنف يتم بصورة دورية تحت وطأة الرغبة الجارفة‬
                                                             ‫في الإجمال والتلخيص تخفي ًفا على الذاكرة‪ .‬هل أدمنا‬
‫مسبقة‪ ،‬ودعم مكاسب تلك الجماعة بالتبعية‪ ،‬أيا كانت‬                 ‫الكسل العقلي؟ ما أعرفه هو أن محاولة الإمساك‬
                                                                  ‫بالجوهر الصلب ال ُم َت َخيّل المترفع على تفاصيل‬
‫طبيعتها‪ :‬دينية‪ ،‬سياسية‪ ،‬اجتماعية‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫الإشكاليتان السابقتان موجودتان بوضوح مزعج في‬

‫كثير من عمليات القراءة التي تنصب على المشاريع‬

‫الفكرية الكبرى تحدي ًدا‪ ،‬وهو ما ُتمثل له‪ ،‬بوضوح‬
‫مدهش‪ ،‬مقدمة الدكتور أحمد فتحي سرور لكتاب طه‬

‫حسين الذي يعنينا هنا «مستقبل الثقافة في مصر»(‪)6‬‬

        ‫الثقافة المصرية وسياقات الفهم‬
 ‫في الفترة التي كتب فيها طه حسين «مستقبل الثقافة‬
‫في مصر» كان الجدل مشتع ًل في أوروبا حول مفهوم‬

   ‫«الثقافة»‪ :‬معناها وحدودها‪ ،‬وهو الجدل الذي يعلن‬
   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16   17