Page 17 - merit 43- july 2022
P. 17

‫لا شك أن دراسة مجتمع ما تتيح الاطلاع‬                            ‫إلى الأولى على أنها الطرف‬
‫على خصائصه وتكوينه والسيطرة عليه‪،‬‬                                               ‫المعتدي‪.‬‬
 ‫وذلك من خلال إثارة بعض المشكلات‬
 ‫الاجتماعية والطائفية‪ ،‬وتسليط الضوء‬                             ‫الأنثروبولوجيا‬
                                                              ‫والرغبة في الاستعمار‬
    ‫عليها يعمل على تنفيذ تكليفات‬
‫وخرائط أعمال خارجية تهدف إلي إحراج‬                             ‫الروسي لأوكرانيا‬
‫الدولة وتشويه صورتها الخارجية‪ ،‬ونشر‬
                                                                   ‫يدل مفهوم الاستعمار‬
   ‫روح اليأس والفوضى في المجتمع‬                                       ‫في معناه السياسي‬
‫بواسطة إعلام مس َّخر‪ ،‬مرئ ًّيا أو مسمو ًعا‪،‬‬
                                                                    ‫على الاختراق والدمار‬
        ‫أو من خلال التكنولوجيا‪.‬‬                                    ‫والاستنزاف واستعباد‬

  ‫من ِق َبل ضباط الجيوش‬       ‫الاستعمار الأوروبي وهي‬                    ‫الشعوب من قبل‬
  ‫الاستعمارية الذين كانوا‬        ‫تجري بشكل علمي؛ إذ‬             ‫المستع ِمرين؛ ذلك أن واقع‬
‫في الواجهة‪ ،‬وهو ما م َّكنهم‬                                       ‫الاستعمار يتميز بأنماط‬
   ‫من إعداد التقارير حول‬      ‫استطاع المستع ِمر أن يجد‬
                                 ‫مبررات لتوظيف علماء‬               ‫معيَّنة منها‪ :‬الاستعباد‪،‬‬
    ‫الخصائص التي تميِّز‬         ‫الأنثروبولوجيا لدراسة‬           ‫السيطرة‪ ،‬الاستغلال‪ ،‬وإذا‬
   ‫الشعوب وحول طبيعة‬                                            ‫كان المستعمرون يعتقدون‬
     ‫البيئات التي تسكنها‪،‬‬    ‫المستعمرات التي تمثلت في‬
 ‫وكل هذا من أجل التمهيد‬       ‫غياب الدراسات التاريخية‬             ‫بأنهم يقومون بالإعمار‬
    ‫الثقافي والفكري للغزو‬                                         ‫والبناء من أجل مصلحة‬
   ‫العسكري أو للمحافظة‬             ‫حول هذه الشعوب‪.‬‬               ‫البلاد وهنا يأخذ مفهوم‬
‫على بقاء واستمرار النظام‬              ‫وهذا هو ما جعل‬            ‫الاستعمار مدلو ًل إيجابيًّا‪،‬‬
                                                              ‫فإن واقع الحال ليس كذلك‪.‬‬
            ‫الاستعماري‪.‬‬           ‫الأنثروبولوجيا حلي ًفا‬          ‫فالشعوب التي تعرضت‬
            ‫بذلك ُو ِص َمت‬    ‫حقيقيًّا للاستعمار الباحث‬          ‫للاستعمار قد عانت منه‬
‫الأنثروبولوجيا ‪-‬كعلم من‬       ‫عن أرا ٍض جديدة وثروات‬            ‫كثي ًرا وهي تع ُّده ذا مدلول‬
   ‫حيث النشأة والهدف‪-‬‬
     ‫بأنها علم استعماري‬         ‫إضافية لتلبية الحاجات‬               ‫سلبي؛ لأنه أينما حل‬
   ‫بامتياز؛ لأنه كان مطية‬      ‫الصناعية في أوروبا؛ فقد‬          ‫الاستعمار كان الاستعباد‪،‬‬
    ‫الاستعمار التي م َّكنت‬     ‫كان الاعتماد على تقنيات‬
‫الدول الغربية من استعمار‬       ‫ووسائل الأنثروبولوجيا‬                   ‫والهيمنة‪ ،‬والتمييز‬
  ‫دول وشعوب كثيرة من‬                                            ‫العنصري‪ ،‬والتبعية بكافة‬
   ‫آسيا وأفريقيا وأمريكا‬           ‫واض ًحا لدى الإدارة‬
  ‫اللاتينية‪ .‬حدث ذلك عن‬          ‫الاستعمارية من خلال‬                         ‫أشكالها(‪.)14‬‬
                             ‫الاعتماد على وصف تركيبة‬            ‫لقد نشأت الأنثروبولوجيا‬
                             ‫الشعوب المستع َمرة و ُن ُظ ِمها‬     ‫أدا ًة فكرية لتعزيز سلطة‬
                             ‫الاجتماعية وثقافاتها‪ ..‬كما‬         ‫الاستعمار‪ ،‬فكانت مرتبطة‬
                                ‫كانت هذه العمليات تتم‬
                                                                     ‫بشدة كبيرة بالإدارة‬
                                                                ‫الاستعمارية‪ ،‬والدليل على‬
                                                               ‫ذلك أنه إذا كان الاستعمار‬
                                                                ‫موجو ًدا في كل زمن‪ ،‬فإن‬
                                                                ‫دراسة الشعوب الخاضعة‬
                                                                 ‫للاستعمار لم تج ِر إلا في‬
   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22