Page 18 - merit 43- july 2022
P. 18

‫العـدد ‪43‬‬           ‫‪16‬‬

                                                           ‫يوليو ‪٢٠٢2‬‬    ‫طريق سلسلة متتابعة من‬
                                                                        ‫الباحثين الذين ا ْر َت ُدوا قناع‬
    ‫الدقيق والمعمق لمختلف‬        ‫المهمة إلى غياب الكتابات‬
     ‫جوانب الحياة اليومية‬     ‫والدراسات التاريخية لهذه‬                    ‫التبشير وفي حقيقة الأمر‬
   ‫للإنسان‪ ،‬وعلى الوصف‬                                                     ‫هم مقدمة لذلك الزحف‬
                                             ‫المجتمعات‪.‬‬                       ‫الاستعماري الغربي‬
        ‫الجغرافي‪ ،‬كوصف‬       ‫لكن الحق أن الأنثروبولوجيا‬
‫التضاريس‪ ،‬والبيئة‪ ،‬والمدن‬                                                ‫الذي رزح فوق كاهل تلك‬
                                ‫خدمت الاستعمار أحسن‬                       ‫الشعوب سنوات عديدة‪.‬‬
    ‫وتحصيناتها‪ ،‬والأقاليم‬          ‫خدمة؛ لتوطيد هيمنته‬                  ‫وقد عمل الأنثروبولوجيون‬
    ‫الزراعية والبنائية‪ ،‬ولم‬                                            ‫من خلال مهمتهم التبشيرية‬
‫تترك هذه الدراسات ميدا ًنا‬      ‫على الشعوب‪ .‬حيث يعبر‬                     ‫المزعومة على جمع العديد‬
   ‫من الميادين إلا وتطرقت‬      ‫الأنثروبولوجي الانجليزي‬
‫إليه بشكل أو بآخر‪ ،‬فالدين‬                                                      ‫من المعلومات حول‬
    ‫المعتقد السائد‪ ،‬والرمز‪،‬‬      ‫إدوارد إيفانز بريتشارد‬                   ‫المجتمعات المستعمرة‪ ،‬أو‬
‫والممارسات علمه في خدمة‬        ‫عن العلاقة بين الاستعمار‬                ‫التي يشكل استعمارها هد ًفا‬
‫هذه الأهداف النبيلة وليس‬     ‫والأنثروبولوجيا بقوله‪« :‬إذا‬                   ‫مستقبليًا‪ ،‬ومن الطبيعي‬
   ‫في تفرقة الشعوب‪ ،‬إنها‬     ‫كانت السياسة الاستعمارية‬                     ‫أن ُت ْس َت َغل تلك المعلومات‬
   ‫عملية مهمة في تخليص‬
‫الأنثروبولوجيا من الهيمنة‬          ‫لحكومة ما‪ ،‬تقوم على‬                      ‫المجموعة إما في تثبيت‬
   ‫الأيديولوجية والسياسة‬         ‫حكم شعب من الشعوب‬                       ‫الاستعمار أو تهيئة المناخ‬
‫الاستعمارية‪ ،‬وانتشالها من‬    ‫بواسطة رؤسائه‪ ،‬فمن المفيد‬                 ‫المناسب له للانقضاض على‬
‫مآزقها التي وجدت نفسها‬           ‫أن يعرف من هم هؤلاء‬                     ‫ضحية جديدة للاستعمار‬
 ‫فيها‪ ،‬والارتفاع بالعلم إلى‬   ‫الرؤساء‪ ،‬ما هي وظيفتهم‪،‬‬
   ‫خدمة التثاقف الحقيقي‬           ‫وسلطتهم وامتيازاتهم‪،‬‬                       ‫وبأقل خسائر ممكنة‪،‬‬
                                  ‫وواجباتهم‪ ،‬فإذا سلمنا‬                ‫بالنسبة للدول الاستعمارية‬
      ‫والفعلي بين مختلف‬        ‫بأن حكم شعب ينبغي أن‬
             ‫الشعوب(‪.)17‬‬      ‫يتم وف ًقا لشرائعه الخاصة‬                  ‫طب ًعا‪ .‬ولا يستقيم ذلك إلا‬
                             ‫وعاداته الخاصة‪ ،‬فيجب أو ًل‬                    ‫بمعرفة متعمقة للغاتهم‬
 ‫واليوم وبعد انضمام دول‬         ‫أن نكتشف هذه الشرائع‬                          ‫وعاداتهم وتقاليدهم‬
     ‫أخرى إلى حلف الناتو‬     ‫وهذه العادات‪ ».‬لقد سخرت‬                          ‫وأخلاقهم‪ ..‬والعلوم‬
                                ‫الأنثروبولوجيا في البداية‬                  ‫الاجتماعية الاستعمارية‬
   ‫(السويد وفيلندا‪ ،‬ما هو‬    ‫من طرف المستعمر لاحتلال‬                         ‫ضرورية للحفاظ على‬
 ‫القادم في الحرب الروسية‬      ‫الشعوب بواسطة استغلال‬
 ‫على أوكرانيا؟ هل سيؤدي‬                                                 ‫هيمنتها ولضمان استمرار‬
‫ذلك إلى المزيد من الهجمات‬          ‫المعلومات المجمعه عن‬                           ‫هذه الهيمنة(‪.)15‬‬
                                ‫الأهالي‪ ،‬التي سمحت لهم‬                             ‫ولذلك ألصقت‬
   ‫على أوكرانيا والمزيد من‬    ‫بنهب خيراتهم الاقتصادية‬
    ‫العداء ضد حلف الناتو‬      ‫وسلبهم مقوماتهم الثقافية‪،‬‬                ‫بالأنثروبولوجيا تهمة العلم‬
    ‫والتصادم بين روسيا‬           ‫وذلك باستخدام وسائل‬                     ‫الذي يخدم الاستعمار‪ ،‬لا‬
    ‫والحلف؟ أم أن الأمور‬      ‫متنوعة كالتجهيل والإفقار‪،‬‬
    ‫ستتحول إلى سلوكيات‬                                                 ‫لشيء سوى أن البعض رأى‬
‫غريبة‪ ،‬سنشهدها في الأيام‬          ‫القهر والإكراه والعنف‬                  ‫أن الدراسات التي أنجزها‬
                                        ‫وحتى القتل(‪.)16‬‬                   ‫الغرب على الشعوب التي‬
       ‫والسنوات القادمة؟‬                                               ‫استعمرها عملت على كشف‬
                                    ‫فقد تم تكريس علوم‬                     ‫خصوصيات المجتمعات‪،‬‬
                                   ‫الإنسان للسيطرة على‬                       ‫ويرجع البعض الآخر‬
                                 ‫الإنسان‪ ،‬واعتمدت هذه‬                    ‫قيام الأنثروبولوجيا بهذه‬
                                  ‫الدراسات على الوصف‬
   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23