Page 194 - merit 43- july 2022
P. 194

‫العـدد ‪43‬‬                              ‫‪192‬‬

                              ‫يوليو ‪٢٠٢2‬‬                      ‫يملي عليها أي ًضا عدم التوقف‬
                                                              ‫عن عملياتها العسكرية‪ ،‬سواء‬
  ‫شعوبها‪ .‬ففي كل الأحوال‪،‬‬       ‫وليس انطلا ًقا من تحليلات‬
    ‫كل الحروب والصراعات‬       ‫البعض بانحياز دول خليجية‬            ‫فصلت شرق أوكرانيا أو‬
                                                              ‫استولت على كييف وواصلت‬
‫والمواجهات تنتهي بالتفاوض‬         ‫إلى روسيا‪ ،‬أو عداء دول‬      ‫السير إلى غرب أوكرانيا حتى‬
     ‫وف ًقا لما يملكه كل طرف‬     ‫خليجية لأمريكا وأوروبا‪.‬‬
                              ‫كل هذه التكهنات والتوقعات‬          ‫الحدود البولندية التي هي‬
  ‫من أوراق ومكاسب‪ .‬ولكن‬                                                ‫حدود حلف الناتو‪.‬‬
  ‫الضعفاء يبقون كما هم في‬          ‫التي تنطوي على الآمال‬
‫انتظار أسياد جدد وانحيازات‬          ‫والرغبات والانحيازات‬       ‫من المتوقع ألا تنتهي الأمور‬
   ‫عاطفية وحماسية جديدة‪.‬‬           ‫لا مجال لها في التحليل‬      ‫الآن أو بعد أسابيع‪ .‬المعادلة‬
                                ‫السياسي‪ ،‬لأن دول الخليج‬
 ‫اعتراف بوتين وبدء‬             ‫وشمال أفريقيا حتى الآن لم‬          ‫الصفرية مرعبة ومغرية‬
        ‫الغزو‬                    ‫تعلن عن مواقف واضحة‪،‬‬               ‫بمواصلة «المغامرات»‪.‬‬
                                  ‫ولم تتخذ خطوات مادية‬               ‫روسيا تمسك بموارد‬
       ‫عندما تحدث الرئيس‬         ‫ملموسة على أرض الواقع‬
   ‫الروسي فلاديمير بوتين‪،‬‬         ‫لدعم روسيا ومساندتها‪.‬‬        ‫الطاقة‪ ،‬والغرب يجهز نفسه‬
   ‫في ‪ 21‬فبراير ‪ ،2022‬عن‬        ‫وفي كل الأحوال‪ ،‬وكما قلنا‬       ‫للاستغناء عن هذه الموارد‪.‬‬
                               ‫في البداية‪ ،‬فإن التصريحات‬        ‫وروسيا متواجدة عسكر ًّيا‬
     ‫أنه لا يوجد شيء اسمه‬        ‫وإعلان المواقف لا يمكنها‬      ‫وقتاليًّا في أوكرانيا‪ ،‬والغرب‬
‫أوكرانيا أص ًل‪ ،‬وأن أوكرانيا‬   ‫أن تكون بدي ًل للواقع المادي‬      ‫يسلح أوكرانيا ويقدم لها‬
                                                                ‫الأموال‪ ،‬ويواصل استفزاز‬
      ‫التي صنعها لينين هي‬            ‫الملموس على الأرض‪.‬‬       ‫موسكو‪ ،‬ويقوم بتأسيس أمر‬
      ‫أص ًل جزء من روسيا‬         ‫على الرغم من هذه المشهد‬       ‫واقع يعطي موسكو انطبا ًعا‬
‫الكبرى والتاريخية‪ .‬وبالتالي‪،‬‬     ‫التشاؤمي‪ ،‬يبقى الأمل في‬       ‫بأن الأبواب مفتوحة أمامها‬
    ‫فروسيا لديها الحق ليس‬        ‫أن تجد الأطراف المتنازعة‬
 ‫فقط في القرم وسيفاستوبل‪،‬‬                                         ‫حتى حدود حلف الناتو‪،‬‬
    ‫وليس فقط في دونيتسك‬            ‫لغة حوار‪ ،‬وإمكانية على‬      ‫لكنه من جهة أخرى يؤسس‬
     ‫ولوجانسك‪ ،‬وإنما أي ًضا‬       ‫بناء جدول أعمال‪ ،‬وتتفق‬        ‫لأمر واقع مضاد تما ًما‪ ،‬ألا‬
      ‫في الشرق كله‪ ،‬بل وفي‬      ‫على بنود محددة لمناقشتها‪.‬‬
    ‫كل أوكرانيا‪ ..‬عندما أعلن‬     ‫وأن تمنح بعضها البعض‬            ‫وهو أن روسيا باتت غير‬
     ‫بوتين ذلك أثناء اعترافه‬                                      ‫قادرة اقتصاد ًّيا وأنها لا‬
‫بانفصال إقليمي «دونيتسك»‬            ‫فرصة للحفاظ على ماء‬         ‫تستطيع الوفاء بالتزاماتها‪،‬‬
     ‫و»لوجانسك»‪ ،‬كان ذلك‬            ‫الوجه‪ ،‬وتتفادي تركيع‬        ‫وأنها غير جديرة بالتواجد‬
‫بمثابة كلمة السر لإعلان بدء‬    ‫بعضها البعض‪ ،‬لأن العكس‪،‬‬             ‫في مؤسسات ومنظمات‬
   ‫الغزو الروسي لأوكرانيا‪.‬‬    ‫سوف يقود إلى ما نخاف منه‬          ‫دولية‪ ..‬أي ببساطة يجري‬
     ‫وهو ما حدث بالفعل في‬                                        ‫دفع روسيا إلى ذلك المربع‬
  ‫الساعات الأولى من صباح‬                  ‫ونخشاه جمي ًعا‪.‬‬       ‫الرمادي الخانق الذي تبدو‬
     ‫يوم ‪ 24‬فبراير ‪.2022‬‬          ‫أما دول الشرق الأوسط‬          ‫فيه وكأنها أصبحت «عالة»‬
    ‫في يوم ‪ 21‬فبراير‪ ،‬كانت‬        ‫وشمال أفريقيا‪ ،‬فحالتها‬      ‫ليس فقط على المجتمع الدولي‪،‬‬
   ‫الأوضاع مفتوحة على كل‬         ‫يرثى لها‪ ،‬وعليها أن تنتبه‬        ‫بل على حلفائها وأنصاف‬
     ‫الاحتمالات‪ .‬وكما كتبنا‬      ‫لنفسها ولمصالحها‪ ،‬وتقلع‬       ‫حلفائها‪ ،‬خاصة وأن الغرب‬
       ‫طوال السنوات التسع‬       ‫عن العواطف والحماسيات‪،‬‬           ‫متفوق من حيث مساحات‬
   ‫الماضية‪ ،‬فإن هناك أجنحة‬       ‫وتبدأ بالتفكير البراجماتي‬      ‫الوجود والنفوذ‪ .‬ونحن هنا‬
                               ‫تما ًما انطلا ًقا من مصالحها‪،‬‬     ‫نتحدث وفق الأمر الواقع‪،‬‬
                              ‫ومن أجل مصالحها ومصالح‬
   189   190   191   192   193   194   195   196   197   198   199