Page 195 - merit 43- july 2022
P. 195

‫‪193‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

   ‫بوتين في وضع الغرب في‬           ‫أن تذهب روسيا إلى أبعد‬        ‫في السلطة القومية الروسية‬
   ‫زاوية ضيقة للغاية‪ .‬وأكد‬       ‫من ذلك بخصوص سوريا‬              ‫الحاكمة تتحدث بقوة‪ ،‬ومنذ‬
     ‫لكل حلفائه أن الغرب لا‬
   ‫يحمي حلفاءه‪ ،‬وأن حلفاء‬           ‫وإيران‪ ،‬وتملي شروطها‬            ‫عام ‪ ،2014‬عن ضرورة‬
                                 ‫(وإرادتها) على دول أخرى‬           ‫التهام كل أوكرانيا‪ ،‬وليس‬
      ‫الغرب غير آمنين‪ ،‬وأن‬                                       ‫فقط القرم وسيفاستوبل أو‬
 ‫الديمقراطية والحرية محض‬            ‫كثيرة في الخليج العربي‬
‫هراء‪ .‬بل وأعاد عليهم الدرس‬      ‫وشمال أفريقيا تدخل ضمن‬                            ‫دونباس‪.‬‬
                                                                       ‫قبيل اعتراف موسكو‬
    ‫التاريخي‪ ،‬وهو أنه يمكن‬             ‫نطاق النفوذ الغربي‪.‬‬         ‫بانفصال هذين الإقليمين‪،‬‬
     ‫أن تضحي بنصف عدد‬           ‫كان من الواضح أن الرئيس‬           ‫كان من الصعب تصور أن‬
 ‫المواطنين من أجل أن يعيش‬        ‫بوتين حسبها جيدا‪ ،‬حسب‬             ‫تلتهم روسيا كل أوكرانيا‬
 ‫النصف الثاني‪ ،‬وأنه يمكنك‬                                          ‫تحت أي سبب أو ذريعة‪.‬‬
  ‫أن تغلق البلاد لعشرين أو‬           ‫المثل المصري «ضربوا‬         ‫لكن كل المؤشرات تؤكد‪ ،‬من‬
  ‫سبعين سنة لكي لا يقترب‬          ‫الأعور على عينه‪ ،»..‬وقرر‬         ‫جهة أخرى‪ ،‬قدرة روسيا‬
 ‫منها الأعداء المتربصون بها‬                                          ‫العسكرية والاقتصادية‬
  ‫وبخيراتها وبشرف شعبها‬             ‫أن يتقدم بصرف النظر‬              ‫وتمتعها بحق الڤيتو في‬
 ‫وحياة زعيمها‪ ،‬وأن الحفاظ‬         ‫عن أي مصاعب اقتصادية‬          ‫مجلس الأمن وامتلاكها قوى‬
 ‫على السلطة الأبدية للرئيس‬       ‫أو تدهور في البنى التحتية‬          ‫نووية وصواريخ أسرع‬
      ‫ما هي إلا ذلك الواجب‬      ‫وأي مشاكل بشأن التقنيات‬           ‫من الصوت على التهام كل‬
 ‫الوطني الوحيد للحفاظ على‬                                          ‫الجزء الشرقي لأوكرانيا‪.‬‬
‫الدولة والوطن وتاريخ الأمة‬         ‫الدقيقة أو حتى الحصار‬          ‫وفي الحقيقة‪ ،‬روسيا تعمل‬
                                 ‫المالي والعقوبات التي يمكن‬      ‫على تغيير التركيبة السكانية‬
       ‫وكبريائها وفخامتها‪.‬‬        ‫أن تصل إلى إعاقة تصدير‬               ‫في شرق أوكرانيا منذ‬
     ‫إن الرئيس بوتين نجح‬                                           ‫انهيار الاتحاد السوفيتي‪.‬‬
‫نجا ًحا ساح ًقا في ترسيخ كل‬        ‫النفط والغاز‪ .‬كل ذلك لم‬       ‫ونشطت هذه الإجراءات مع‬
 ‫المفاهيم التي يتم تداولها في‬       ‫يكن يهم الرئيس بوتين‬            ‫بداية الخلافات والمشاكل‬
  ‫دول بعينها بشأن انحطاط‬                                               ‫في نهاية عام ‪.2005‬‬
‫الحرية والديمقراطية والغرب‬            ‫الذي بدا حري ًصا على‬       ‫وزادت حدة هذه الإجراءات‬
  ‫الاستعماري‪ ،‬والتأكيد على‬         ‫تاريخ روسيا وعلى لملمة‬           ‫منذ عام ‪ .2013‬وبالتالي‪،‬‬
    ‫خلود الزعماء والرؤساء‬          ‫مكوناتها التاريخية لبعث‬          ‫فالتهام روسيا كل شرق‬
   ‫وصحة أقوالهم وأفعالهم‬          ‫روسيا العظمى على قاعدة‬            ‫أوكرانيا لن يكون صعبًا‬
  ‫وسلامة عقولهم‪ .‬وبالتالي‪،‬‬                                        ‫على الإطلاق‪ .‬لكنه سيرتبط‬
  ‫فإن كل شرق أوكرانيا هو‬             ‫الأرثوذكسية السلافية‬          ‫بجدية ووتيرة المفاوضات‬
 ‫الهدف الاستراتيجي القريب‬        ‫والإيمان بالديانة المسيحية‬       ‫مع الولايات المتحدة وحلف‬
  ‫للرئيس‪ .‬وبالمناسبة‪ ،‬يمكن‬                                      ‫الناتو والاتحاد الأوروبي على‬
     ‫أن يتجاوب معه الغرب‪،‬‬           ‫وتوطين ليس فقط فكرة‬           ‫الضمانات الأمنية الروسية‬
       ‫وتتجاوب معه القيادة‬        ‫العالم الروسي‪ ،‬بل وأيضا‬        ‫وعلى رفع العقوبات الغربية‬
    ‫الأوكرانية‪ ،‬لنصبح أمام‬       ‫تمتين فكرة أن روسيا هي‬               ‫عن روسيا وعلى إعادة‬
     ‫نسخة من ألمانيا ما بعد‬      ‫وريثة الحضارة البيزنطية‪،‬‬       ‫العلاقات الدبلوماسية الكاملة‬
   ‫الحرب العالمية الثانية عام‬                                     ‫مع الغرب‪ ،‬بل ومن الممكن‬
‫‪ ،1946‬حيث تم تقسيمها إلى‬              ‫والعمل من أجل إعادة‬
                                   ‫بعثها على أساس التفوق‬
                                    ‫العسكري وجمع أشلاء‬

                                     ‫الدول «السلافية» مثل‬
                                ‫بيلاروس وأوكرانيا وبولندا‬
                                ‫والتشيك وصربيا وبلغاريا‪،‬‬
                               ‫وإعادة تأديبها وتأهيلها دينيًّا‬

                                                  ‫وقوميًّا‪.‬‬
                                 ‫لقد نجح الرئيس فلاديمير‬
   190   191   192   193   194   195   196   197   198   199   200