Page 292 - merit 48
P. 292

‫العـدد ‪48‬‬                         ‫‪290‬‬

                                    ‫ديسمبر ‪٢٠٢2‬‬

  ‫بنبل الشعر الذي لا يحاكيه نبل‬                 ‫ماجد السامرائي‬                 ‫الواقع والمجاز‪ ،‬والواقعي‬
    ‫سوى نبل الفنون التي كابدت‬                                           ‫والأسطوري سأعرفهما‪ ،‬وعطش‬
                                           ‫مصطفى‪ ،‬وسامي مهدي‪.‬‬
 ‫البشرية طوي ًل حتى جهرت بها‪،‬‬        ‫والحق‪ ،‬وأنا أكتب هذه الشهادة‪،‬‬        ‫الشعر أعرفه أي ًضا‪ ،‬وغناه من‬
   ‫بلى‪ ،‬كم بكينا‪ ،‬وكم غنينا‪ ،‬حتى‬      ‫أقول وبطمأنينة‪ ،‬لو ترجم شعر‬         ‫عدمه أعرفه‪ ،‬ولكن مع ك ِّل هذه‬
  ‫صار البكاء والغناء شع ًرا‪ ،‬وكم‬    ‫هؤلاء الثلاثة‪ :‬حميد سعيد‪ ،‬وخالد‬       ‫المعرفة والأسلحة والتحوطات‪،‬‬
     ‫عرفنا البراري والأنهار حتى‬     ‫علي مصطفى‪ ،‬وسامي مهدي‪ ،‬إلى‬           ‫فأنت ومنذ افتتاح قصيد سامي‬
  ‫استطعنا ان نصنع الناي ليكون‬        ‫لغة أجنبية‪ ،‬ثم ُترجم م َّرة أخرى‬      ‫مهدي‪ ،‬ستشعر برهبة الشعر‬
                                     ‫إلى العربية‪ ،‬ومن دون أن نعرف‬        ‫ومهابته‪ ،‬ستشعر بجلال الكلام‬
‫كينونة الموسيقى‪ ،‬وكم وكم وكم‪.‬‬
 ‫وحين تقرأ قصيد سامي مهدي‪،‬‬              ‫قصيدهم لمن ينتسب‪ ،‬لقلنا إ َّن‬       ‫وغناه‪ ،‬ستشعر بأ َّن التاريخ‪،‬‬
                                    ‫هذا القصيد من أهم عيون الشعر‬       ‫واللغة‪ ،‬والغنى‪ ،‬والجلال‪ ،‬والرفعة‬
     ‫وحين تعرف سيرته‪ ،‬تشعر‬           ‫العالمي؛ أقول هذا لأنني‪ ،‬وبسبب‬
     ‫أ َّن الحياة‪ ،‬طالت أم قصرت‪،‬‬    ‫التقلبات التي عصفت بها الأحداث‬         ‫والأسرار‪ ..‬كلَّها تنجدل بفعل‬
  ‫هي موقف‪ ،‬وأن لا شيء تو ِّرثه‬                                         ‫موهبة شدود‪ ،‬كي تمضي بك من‬
 ‫النفوس الكبار للتاريخ سوى هذا‬         ‫والسياسات‪ ،‬أبكي في وحدتي‪،‬‬
                                          ‫لأن الكلام الضرير‪ ،‬يصيب‬         ‫سطر شعري إلى سطر شعري‬
                        ‫الموقف‪.‬‬                                          ‫وكأنك لا تعرف أأنت تصعد أم‬
                                      ‫قصيد سامي مهدي‪ ،‬وخالد علي‬           ‫ُيصعد بك‪ ،‬أأنت في صحوك أم‬
          ‫‪-٩-‬‬                       ‫مصطفى بعد أن رحلا‪ ،‬وهو يأتي‬           ‫في غيبوبة أخذتك‪ ،‬أأنت تمشي‬
                                                                          ‫أم تطير‪ ،‬مع أ َّن قصائد سامي‬
 ‫أجل‪ ،‬منذ أن دلف الزمن الحقود‪،‬‬         ‫من جهات كانت‪ ،‬ولكي تعرف‬
    ‫في عام ‪ ،٢٠٠٣‬ودجلة يعاني‪،‬‬            ‫بأنها جهات‪ ،‬في رعاية حميد‬            ‫مهدي قصيرة‪ ،‬ولو أرادت‬
  ‫والنخل يعاني‪ ،‬والمواقف النبيلة‬    ‫سعيد‪ ،‬وسامي مهدي‪ ،‬وخالد علي‬           ‫التطويل‪ ،‬لملأت ك َّل واحدة منها‬
  ‫تعاني‪ ،‬والفنون تعاني‪ ،‬وسامي‬          ‫مصطفى‪ ،‬جهات كانت تتسول‬
                                    ‫كلمة تقريظ واحدة من أحد هؤلاء‬          ‫صفحات ديوان! وعند خاتمة‬
 ‫مهدي‪ ،‬وحميد سعيد‪ ،‬وخالد علي‬                                                ‫القصيدة‪ ،‬تقف مثل من يقف‬
   ‫مصطفى‪ ،‬ورفاق لهم‪ ،‬يعانون‪،‬‬                                ‫الثلاثة‪.‬‬      ‫في حضرة معبد‪ ،‬أو في حضرة‬
  ‫حتى سامي وخالد بعد رحيلهما‬           ‫بقي لي من القول‪ ،‬أنت‪ ،‬وحين‬       ‫ألوان وأصوات وموسيقى وغناء‬
                                      ‫تقرأ قصيد سامي مهدي تشعر‬               ‫وقص وإنشاد وترتيل‪ ،‬أنت‬
‫يعانيان‪ ،‬وهذا ما عهدناه في أحوال‬      ‫بكبرياء الشعر وسموه‪ ،‬وتشعر‬         ‫تقف حائ ًرا‪ ،‬فلا تفت ُّك نفسك من‬
  ‫البلاد التي تصيبها الارتجافات‪،‬‬                                       ‫الحيرة إلا باستعادة القراءة لترى‬
      ‫فالسؤال هنا‪ ،‬لا يدور حول‬                                           ‫كم ضيَّعت في القراءة الأولى من‬
  ‫المعاناة فقط‪ ،‬بل يدور حول أهل‬
   ‫الكلام الضرير‪ ،‬لماذا استداروا‪،‬‬                                                   ‫التفات لجمال فاتك‪.‬‬
    ‫ومن أجل ماذا؟! وكيف ب َّدلوا‬                                             ‫بلى‪ ،‬كنت‪ ،‬وخلال تحريري‬
      ‫وجوههم‪ ،‬فرضوا بالأقنعة!‬                                             ‫لنصوص الشعر الجديدة التي‬
                                                                          ‫يكتبها الطالعون‪ ،‬والقدامى من‬
          ‫‪-١٠-‬‬                                                            ‫الشعراء‪ ،‬وأنا أعمل في صحيفة‬
                                                                       ‫أدبية هي من َّصة للإبداع‪ ،‬على نحو‬
                          ‫دائ ًما‪،‬‬                                       ‫ما‪ ،‬كنت أضحك ملء رأسي من‬
  ‫تقتحم أجمات الشوك البساتين‬                                            ‫نواقص قصيدهم وعيوبهم‪ ،‬ولم‬
 ‫بعزوم شيطانية‪ ،‬ولكنها دائ ًما لا‬                                        ‫يكن في بالي‪ ،‬للمقارنة والموازنة‬
‫تستطيع التوغل إلى دواخلها‪ ،‬لأنها‬                                        ‫لحظتئ ٍذ‪ ،‬سوى نصوص حفظتها‬
   ‫تعلق‪ ،‬مع مرور الوقت‪ ،‬وبيسر‬                                            ‫ذاكرتي لشعراء العربية الكبار‪،‬‬
                                                                         ‫ومنهم حميد سعيد‪ ،‬وخالد علي‬
     ‫عند السياج‪ ..‬وتهمد منطفئة!‬
   287   288   289   290   291   292   293   294   295   296   297