Page 106 - مجلة تنوير - العدد الخامس
P. 106

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                   ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

         ‫الإطار الاجتماعي والمكونات الأولى‪:‬‬             ‫التـي أشـاء‪ .‬بعبـارة أخـرى كانـت الفلسـفة طريقـي إلـى‬
                                                        ‫أن أوجـه عقلـي فيمـا أقـ أر‪ .‬تعلمـت منهـا أن أكـون‬
‫حيـن تحدثنـا حديثنـا المسـهب فـي الفقـرة السـابقة‬       ‫عقـا فعـالا بالنسـبة إلـى مـا أتلقـى مـن معرفـة‪ ،‬لا أن‬
‫عـن المكونـات الأولـى للوعـي العلمـي عنـد مصطفى‬         ‫أكـون عقـا منفعـا فحسـب‪ .‬تعلمـت منهـا أن أعقـد‬
‫سـويف‪ ،‬كنـا نتحـدث عـن هـذه المكونـات ونعلـم أن‬         ‫مقارنـات‪ ،‬وأن استشـف علاقـات تغيـب عـن النظـرة‬
‫لهـا مصادرهـا الاجتماعيـة أو مـا يمكـن تسـميته‬          ‫غيـر المدربـة‪ ،‬وأن أصـل إلـى تعميمـات بعيـدة‪ ،‬وأن‬
‫بــ «الإطـار الاجتماعـي»‪ ،‬الـذي وجـه مصطفـى‬             ‫أمتحـن هـذه التعميمـات مـن حيـن لآخـر علـى محـك‬
‫سـويفإلى الوعـي بقيمـة العلـم وأهميـة اللغـة وضـرورة‬    ‫الاتسـاق المنطقـي‪ ،‬وأن أكامـل بينهـا وأسـتمتع بمـا‬
                                                        ‫يتولـد عـن هـذا التكامـل مـن أبنيـة تجمـع إلـى جمـال‬
                                       ‫القـ ارءة‪.‬‬
                                                         ‫التناسـق قـد ار ملحوظـا مـن كفـاءة التنظيـم»‪)14(.‬‬
‫فقـد كان الواقـع الاجتماعـي بشـقيه الثقافـي‬
‫والسياسـي واقعـا مـوا ار بالحركـة مـن أجـل الاسـتقلال‪،‬‬  ‫	 فالفلسـفة هـي العقـل الفعـال والقـ ارءة هـي‬
‫وبالأسـئلة والثـورة المعرفيةعنـد طـه حسـين (فـي‬         ‫الوجـود الفعـال‪ .‬وبيـن الوجـود والعقـل روابـط التـازم‬
‫الشـعر الجاهلـي) ومصطفـى عبدالـ ارزق (أصـول‬             ‫والضـرورة‪ .‬فالوجـود الفعـال يعنـي الاكتشـاف الدائـم‬
‫الحكـم فـي الإسـام) وأحمـد أميـن (بأبحاثـه فـي‬          ‫لـكل مـا هـو جديـد‪ ،‬وانتقـاد كل مـا هـو مسـتقر‬
‫الحيـاة العقليـة والثقافيـة والاجتماعيـة عنـد العـرب‬    ‫وثابـت‪ ،‬والجديـة فـي تغييـره‪ .‬والعقـل الفعـال هـو‬
‫– فجـر الإسـام وظهـره وضحـاه)‪ ،‬وعنـد سـعد‬               ‫المنهـج الـذي يحقـق جديـة أو فاعليـة الوجـود‪ .‬لذلـك‬
‫زغلـول رمـز الثـورة الوطنيـة آنـذاك‪ ،‬والعقـاد (بثورتـه‬  ‫أكـد مصطفـى سـويفهذا التـازم بيـن الفلسـفة والقـ ارءة‬
‫علـى ممثلـي الشـعر القديـم – الديـوان فـي الأدب‬         ‫فـي نصـه السـابق‪ .‬فقـد أتاحـت لـه القـ ارءة الاطـاع‬
‫والنقـد)‪ .‬وبالتوجـه نحـو العلـم ونظرياتـه وبالشـك فـي‬   ‫علـى مصـادر المعرفـة‪ ،‬وأتاحـت لـه الفلسـفة كيفيـة‬
‫جـدوى الوجـود وقيمـة الإنسـان كمـا مثلتهـا النظريـات‬
‫الفلسـفية الوجوديـة والماركسـية فـي الغـرب وفـي‬                            ‫تحصيـل المعرفـة كمـا يشـاء‪.‬‬
‫الجامعـة المصريـة كمـا مثلهـا عبدالرحمـن بـدوي‬
‫ولويس عوض والشك المنهجي والتحديث والانفتاح‬              ‫ومن ثم فإن العلاقة بين المجالين الق ارءة والفلسفة‬
‫علـى مختلـف الحضـا ارت كمـا دعـا إليـه طـه حسـين‪.‬‬       ‫أو بيـن الوجـود الفعـال والعقـل الفعـال هـي العلاقـة‬
                                                        ‫بيـن مـادة العلـم والمنهـج العلمـي‪« ..‬كانـت الفلسـفة‬
‫فالواقـع الاجتماعـي كان يتجـه إلـى التغييـر‪،‬‬            ‫طريقـي إلـى أن أوجـه عقلـي فيمـا أقـ ار»‪ ،‬ونتـج عـن‬
‫إمـا بفعـل الثـورة وهـي تغييـر جـذري فعـال‪ ،‬علـى‬        ‫هـذه العلاقـة بيـن المـادة والمنهـج أو بيـن القـ ارءة‬
‫نحـو مـا طمحـت إليـه ثـورة ‪ 1919‬ومـا تبعهـا مـن‬         ‫والفلسـفة‪ ،‬عقـد المقارنـات بيـن المتشـابهات بالتماثـل‬
‫تفاعـات‪ ،‬وإمـا بفعـل العلـم والفكـر والثقافـة‪ ،‬وهـذا‬    ‫أو بالاختـاف والوصـول إلـى علاقـات جديـدة‬
‫التغييـر تغييـر كيفـي ينتـج عـن ت اركمـات كميـة‬         ‫تغيـب عـن النظـرة غيـر المدربـة‪ .‬وهـذا مـا جعلـه‬
‫فـي كل مجـال‪ .‬ولذلـك اختـار مصطفـى سـويفهذا‬             ‫يمضـي فـي الربـط بيـن مجـالات هـي فـي ظاهرهـا لا‬
‫الطريـق إلـى التغييـر وكانـت عينـه علـى مسـارين‬         ‫روابـط بينهـا‪ ،‬واكتشـف علاقـات جديـدة بينهـا وهـذه‬
‫متلازميـن‪ ،‬همـا‪ :‬مسـار العلـم فـي مؤسسـات التعليـم‪،‬‬     ‫المجـالات ‪ -‬العلـم والآداب والفنـون والفكـر‪ -‬هـي‬
‫ومسـار التفاعـل الثقافـي مـع التغيـ ارت الاجتماعيـة‬
                                                                   ‫التـي مثلـت عنوانـا كبيـ ار لـكل أعمالـه‪.‬‬
                                 ‫فـي المجتمـع‪.‬‬
                                                                        ‫‪-3-‬‬
‫	 ويمكـن أن نلحـظ تـوازي هذيـن المسـارين‬

                                                        ‫‪106‬‬
   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111