Page 38 - مجلة تنوير - العدد الخامس
P. 38

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                 ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫ابتكرهـا واسـتخدمها ووظفهـا الاقتصـاد ال أرسـمالي منالمشـكلات الاجتماعيـة والاقتصاديـة‪ ،‬والتـي منهـا‬

‫لخدمـة هـذا النظـام‪ ،‬وتحقيـق مصالحـه فـي الـدول سـوء الأحـوال المعيشـية لعمـال المصانـع‪ ،‬والدعـوة‬
‫غيـر الأوروبيـة‪ ،‬أو بالأحـرى فـي دول قـا ارت جنـوب لتكويـن نقابـات للدفـاع عـن مصالـح العمـال‪،‬‬

‫والإض اربـات العماليـة‪ ،‬والتهديـد بإيقـاف العمـل‬           ‫العالـم (آسـيا وإفريقيـا وأمريـكا الجنوبيـة)‪.‬‬

‫وتعـد الموجـات الاسـتعمارية ‪ -‬بأشـكالها القديمـة بالمصانـع إذا لـم يتـم الاسـتجابة لمطالـب العمـال‪..‬‬

‫السافرة ‪ -‬أبرز مثال لهذه الآليات‪ .‬فقد شهد القرنان هـذا ناهيـك عـن المشـكلات الاجتماعيـة والنفسـية‬

‫الثامـن عشـر والتاسـع عشـر موجـات اسـتعمارية التـي أصابـت الأثريـاء مـن بقايـا الإقطـاع‪ ،‬والـذي‬
‫مكثفـة لـدول العالـم الجنوبـي لاسـتخلاص ثـروات تحـول جـزء كبيـر منهـم إلـى أصحـاب مصانـع‪،‬‬

‫المسـتعم ارت لصالـح الاقتصـاد ال أرسـمالي‪ ،‬حتـى وذلـك نتيجـة تحـول منظومـة القيـم الاجتماعيـة‪ ،‬مـن‬

‫أصبـح العالـم الجنوبـي فـي معظمـه مسـتعم ارت قيـم اللامسـاواة بيـن أبنـاء طبقـة الإقطاعييـن والنبـاء‬
‫للقـوى الاقتصاديـة العظمـى مـع بدايـات القـرن وطبقـة أقنـان الأرض والم ازرعيـن‪ ،‬إلـى قيـم المسـاواة‬

‫بيـن نفـس هاتيـن الطبقتيـن اللتيـن تحولتـا إلـى طبقـة‬                             ‫العش ـرين‪)1 (.‬‬

‫والواقـع يشـير إلـى أن هـذه الموجـات كانـت ‪-‬فـي أصحـاب المصانـع وطبقـة العمـال‪.‬‬

‫واقـع الأمـر ‪-‬امتـدادا طبيعيـا للموجـات الاسـتعمارية وقـد أثـارت هـذه المشـكلات اهتمـام المفكريـن‬

‫الأولى التي بدأتها إسبانيا والبرتغال‪ ،‬والتي شهدت الاجتماعييـن فـي ذلـك الوقـت‪ ،‬فعمـدوا إلـى السـعي‬

‫أوجهـا فـي مرحلـة ال أرسـمالية التجاريـة فـي القرنيـن لفهـم وتفسـير أسـبابها‪ .‬وقـد أخـذت هـذه المحـاولات‬

‫السـادس عشـر والسـابع عشـر‪ .‬تلـك الموجـات التـي شـكلين أو توجهيـن فكرييـن مختلفيـن‪ ،‬بنيـت عليهمـا‬

‫لعبـت الكشـوف الجغ ارفيـة فيهـا دو ار فـي اكتشـاف الأطـر النظريـة الأساسـية لفهـم الظواهـر الاجتماعيـة‬

‫الأمريكتيـن مـن ناحيـة‪ ،‬وتكديـس الثـروات المنهوبـة فـي علـم الاجتمـاع‪ ،‬وعلـى أرسـها ظاهـرة التغيـر‬
                                  ‫مـن دول الشـرق الأقصـى وجنـوب شـرق آسـيا الاجتماعـي‪.‬‬

‫الأول‪ :‬جـاء محافظـا‪ ،‬يسـعى إلـى المحافظـة‬                  ‫فـي خ ازئـن الكنيسـة الكاثوليكيـة‪ )2(.‬وهـي ذاتهـا‬
‫علـى الوضـع الجديـد (النظـام الاقتصـادي الجديـد‬            ‫الآليـات التـي عبـدت الطريـق لقيـام الثـورة الصناعيـة‬
‫الموسـوم بال أرسـمالية)‪ ،‬والعمـل فقـط علـى إصلاحـه‬         ‫بالأسـاس‪ ،‬واكتشـاف الآلة‪،‬وظهـور المصنـع‪ ،‬ومـن‬
‫لضمـان اسـتم ارره‪ ،‬والـذي أرى فيـه أصحـاب هـذا‬
                                                                                        ‫ثـم ال أرسـمالية‪)3(.‬‬

‫ومـع انـدلاع الثـورة السياسـية فـي فرنسـا والتحـول الاتجـاه أنـه نظـام اقتصادي‪/‬اجتماعـي أكثـر تطـو ار‬
‫مـن الملكيـة إلـى الجمهوريـة ــ ومـا صاحبهـا مـن وإنسـانية مـن النظـام الإقطاعـي‪ ،‬وكل مـا سـبقه‬

‫نشـر لمبـادئ الحريـة والمسـاواة والإخـاء بيـن كل مـن نظـم‪.‬‬

‫الثانـي‪ :‬جـاء ارفضـا لـه‪ ،‬لكونـه يعـد مـن وجهـة‬            ‫أفـ ارد المجتمع‪،‬وكـذا انـدلاع الثـورة الصناعيـة فـي‬
‫نظـر أنصـار هـذا الاتجـاه‪ ،‬ورغـم كونـه أكثـر تطـو ار‬       ‫إنجلتـ ار‪ ،‬ومـا صاحبهـا مـن حتميةالتحـول مـن البنيـة‬
‫وإنسـانية مـن الأبنيـة الاجتماعيـة الاقتصاديـة‬             ‫الاجتماعيـة الاقتصاديـة الإقطاعيـة‪ ،‬إلـى البنيـة‬
‫السـابقة عليـه‪ ،‬فإنـه لا ازل ينصـف طبقـة الأثريـاء‪،‬‬        ‫ال أرسـمالية‪ ،‬وبالتـوازي مـع هاتيـن الثورتيـن‪ ،‬ظهـور‬
‫أصحـاب المصانـع و أرس المـال علـى حسـاب‬                    ‫الثـورة الثقافيـة فـي ألمانيـا ــعايش المجتمـع الأوربـي‬
‫الطبقـة العاملـة‪ .‬ومـن ثـم سـعوا إلـى تقديـم تصـور‬         ‫في العقود والأحقاب المتوالية لهذه الثو ارت‪ ،‬ونتيجة‬
                                                           ‫لتلـك التحـولات المجتمعيـة السـريعة والجذرية‪،‬العديـد‬

                                                       ‫‪38‬‬
   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43