Page 42 - مجلة تنوير - العدد الخامس
P. 42

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                     ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫الـدول الناميـة للتداعيـات السـلبية للعولمـة الليب ارليـة‬      ‫هـذا كمـا تسـتخدم الولايـات المتحـدة آليـة المنـح‬
‫اليـوم‪ ( ،‬ارجـع إسـهامات البنـك الدولـي‪ ،‬وصنـدوق‬               ‫الد ارسـية (ورغـم أهميتهـا لثقـل الخبـ ارت العلميـة‬
‫النقـد الدولـي‪ ،‬ووكالـة التنميـة الأمريكيـة‪ ،‬وغيرهـم‬           ‫والمهنيـة لشـباب الباحثيـن)‪ ،‬والتـي تمـول فـي أغلبهـا‬
‫مـن المؤسسـات الدوليـة والإقليميـة) إلا أن الشـواهد‬            ‫مـن الصناديـق الاحتياطيـة الفيد ارليـة‪ ،‬وتأتـي ‪%50‬‬
‫التاريخيـة والواقعيـة تشـير إلـى أن الأوضـاع‬                   ‫منهـا مـن المخابـ ارت المركزيـة‪ ،‬حيـث جـاء فـي‬
‫الاقتصاديـة والسياسـية والاجتماعيـة والثقافيـة لـم‬             ‫تقريـر اسـت ارتيجية الأمـن القومـي «أمريـكا أولا» لعـام‬
‫تتغيـر بالصـورة التـي تجعـل مـن الـدول الناميـة‬                ‫‪“ 2017‬سـنزيد مـن تأثيـر الولايـات المتحـدة‪ ،‬لأن‬
‫شـريكا فاعـا ومسـتقلا ومتكافئـا فـي المنظومـة‬                  ‫العالـم الـذي يدعـم الولايـات المتحـدة ويعكـس قيمهـا‬
‫الاقتصاديـة والسياسـية ال أرسـمالية المعولمـة‪ ،‬بـل‬
‫تشـير وتؤكـد (ارتفـاع معـدلات الفقـر‪ ،‬وانخفـاض‬                            ‫سـيجعل العالـم أكثـر أمانـا وازدهـا ار»‪.‬‬
‫معـدلات التنميـة‪ ،‬وانتشـار التطـرف العقائـدي‬
‫والسياسـي والإرهـاب)‪ ،‬الأمـر الـذي يقـود إلـى تعزيـز‬           ‫الأمـر الـذي يدعمـه الدليـل الاسـت ارتيجي للأمـن‬
‫حالـة التبعيـة‪ ،‬بـكل أبعادهـا‪ ،‬مـن قبـل الـدول الناميـة‬        ‫القومـي الأمريكـي لعـام ‪ 2021‬بنفـس القـوة‪ ،‬مؤكـدا‬
                                                               ‫علـى أن الاسـت ارتيجية الجديـدة تعتمـد فـي جوهرهـا‬
                          ‫إلـى الـدول المتقدمـة‪.‬‬               ‫علـى «أن الولايـات المتحـدة سـتظل القطـب الوحيـد‬
                                                               ‫علـى أرس سـلم القيـادة العالميـة»‪ ،‬ويجـب العمـل‬
‫وتعـد حالـة تدويـل قضيـة “الأمـن القومـي»‪ ،‬أحـد‬
‫الشـواهد المعاصـرة علـى كثافـة التدخـات الخارجيـة‬                                 ‫بـكل السـبل علـى دعـم ذلـك‪.‬‬
‫الغربيـة‪ ،‬بقيـادة الولايـات المتحـدة الأمريكيـة فـي دول‬
‫المنطقـة العربيـة‪ ،‬والتـي اتخـذت مـن أحـداث سـبتمبر‬            ‫هـذا ومـن الملاحـظ أن تقريـر ‪ 2017‬قـد شـدد‬
‫‪ 2011‬ذريعـة قويـة لسـيطرتها علـى مقـد ارت العالـم‪،‬‬             ‫على إيلاء الأهمية الكبرى لمنطقة الشرق الأوسط‪،‬‬
‫وبالتحديـد علـى مقـد ارت الـدول العربيـة‪ ،‬بزعـم‬                ‫لكونهـا منطقـة تدعـم اسـتق ارر الأمـن الاقتصـادي‬
‫حمايـة أمنهـا القومـي ومصالحهـا الخارجيـة‪ ،‬وأمـن‬               ‫العالمـي‪ ،‬ومـن ثـم يجـب أن تعمـل الولايـات المتحـدة‬
                                                               ‫علـى تعزيـز تأثيرهـا السياسـي والعسـكري فـي‬
          ‫دول المنطقـة العربيـة فـي ذات الوقـت‪.‬‬                ‫المنطقـة لتحقيـق مصالحهـا الأمنيـة‪ ،‬ومنهـا الحـد‬
                                                               ‫مـن انتشـار الإرهـاب‪ ،‬وفـي نفـس الوقـت حمايـة‬
‫ومـن ثـم فتحـت أبـواب هـذه الـدول علـى مص ارعيهـا‬
‫للاخت ارقـات الخارجيـة‪ ،‬فـي ظـل ظـروف انتشـار‬                          ‫مصالحهـا الاقتصاديـة والتجاريـة‪)12(.‬‬
‫الن ازعـات العربية‪/‬العربيـة‪ ،‬والن ازعـات الطائفيـة بينها‪،‬‬
‫وبيـن الـدول غيـر العربيـة بمنطقـة الشـرق الأوسـط‪،‬‬             ‫= مـن هنـا يمكننـا القـول‪:‬إن حالـة التبعيـة التـى‬
‫واسـتن ازف طاقاتهـا الاقتصاديـة‪ ،‬وانتشـار الإرهـاب‬             ‫شـدد عليهـا أنصـار نظريـة التبعيـة فـي معالجتهـم‬
‫فـي معظـم دول المنطقـة العربية‪...‬إلـخ‪ ،‬ممـا أعـاق‬              ‫وتحليلهم لآليات التقدم في دول الشـمال ال أرسـمالي‪،‬‬
                                                               ‫وآليـات التخلـف فـي العديـد مـن مناطـق العالـم‬
           ‫ب ارمـج التنميـة الإنسـانية الشـاملة فيهـا‪.‬‬         ‫الأخـرى‪ ،‬وخاصـة الجنوبيـة‪ ،‬والتـي أكـدوا فيهـا علـى‬
                                                               ‫طبيعـة العلاقـة الديالكتيكيـة بيـن حالـة التقـدم التـي‬
‫فـي ظـل هـذه الظـروف غيـر المواتيـة تعمقـت حالـة‬               ‫وصلـت إليهـا الـدول ال أرسـمالية‪ ،‬وحالـة التخلـف‬
‫التبعيـة بأبعادهـا المختلفـة للمركـز ال أرسـمالي الغربـي‬       ‫والتبعيـة التـي وصلـت إليهـا دول العالـم الجنوبـي‪،‬‬
‫بقيـادة الولايـات المتحـدة الأمريكيـة‪ ،‬وأصبـح أمنهـا‬           ‫‪ ،‬نقول‪:‬إنـه يمكننـا التأكيـد‪ ،‬وفـي ظـل معايشـة‬

                                                           ‫‪42‬‬
   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47