Page 39 - مجلة تنوير - العدد الخامس
P. 39

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                 ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫وجـاءت المرحلـة التاليـة متسـمة بالإنتـاج الوفيـر‬          ‫لنظـام اجتماعي‪/‬اقتصـادي بديـل‪ ،‬أروا فيـه أنـه يحـد‬
‫والفوائض السلعية والمالية الهائلة ال ازئدة عن حاجة‬         ‫مـن الفـوارق الطبقيـة بيـن الأثريـاء والفقـ ارء‪ ،‬كمـا أنـه‬
‫السـوق المحلي الأوروبي‪ ،‬فكانت دول المسـتعم ارت‬
                                                           ‫يعمـل علـى تحقيـق المسـاواة والعدالـة الاجتماعيةبيـن‬

‫‪ -‬وحتـى بعـد اسـتقلالها ‪ -‬هـي الأرض الخصبـة‬                ‫أفـ ارد المجتمـع‪)4(.‬‬

‫لتسـويق هـذه السـلع والأمـوال‪ ( .‬ارجـع فـي ذلـك‪:‬‬           ‫وقـد لا نخطـئ القـول إذا اعتبرنـا أن الرحـات‬
‫تاريـخ ديـون المسـتعم ارت‪ ،‬ومنهـا مصـر‪ ،‬وفـرض‬              ‫الاستكشـافيةللأنثروبولوجيين الأوائـل لمجتمعـات‬
                                                           ‫العالـم الجنوبـي كانـت أيضـا وسـائل للتعـرف علـى‬
                   ‫الحمايـة والوصايـة عليهـا‪.)..‬‬           ‫الآخـر (غي ارلأوروبـي المختلـف)‪ ،‬والسـعي إلـى‬

‫فـي النصـف الأول مـن القـرن العشـرين شـهد‬

‫تقديـم وصـف دقيـق لطبائـع هـذه الشـعوب ولحياتهـم العالمأشكالا مختلفةمن الاستعمار‪ ،‬عرفتها قواميس‬

‫العلـوم السياسـية والاجتماعيـة بالاسـتعما ارلجديد أو‬       ‫اليومية‪ ،‬والتعرف على أنماطهم السلوكية‪ ،‬وعاداتهم‬
‫بالإمبرياليـة‪ ،‬والتـي هدفـت إلـى العمـل علـى تعزيـز‬        ‫وتقاليدهـم‪ ،‬ومواطـن الضعـف والقـوة بشـخصيات‬
‫مصالـح القـوى الاقتصاديـة الكبـرى‪ ،‬كأمريـكا وبعض‬           ‫هذهالشـعوب‪ ،‬وكذا الكشـف عن خصائص وسـمات‬

‫دول أوروبـا‪ ،‬واليابـان فـي دول العالـم الجنوبـي‪،‬‬           ‫وم ازيـا البيئـة التـي يعيـش فيهـا سـكان هـذه المناطـق‪.‬‬

‫وخاصـة الـدول التـي لـم تسـتعمر مـن قبل‪ (،‬ارجـع‪:‬‬           ‫وعليـه أرى أن الكثيـر مـن هـذه الإسـهامات‬
                                                           ‫المبكـرة للأنثروبولوجييـن الأوائـل قـد أمـدت الـدول‬
‫تاريـخ آليـات الحربيـن الأولـى والثانيـة لليابـان مـع‬      ‫الاسـتعمارية بالمعلومـات الوفيـرة حـول شـعوب‬
‫الصيـن فـي نهايـة القـرن التاسـع عشـر‪ ،‬وحربهـا‬             ‫مناطق ودول الجنوب‪ ،‬وأنماط العلاقات الاجتماعية‬

         ‫الثانيـة فـي ثلاثينيـات القـرن العشـرين)‪.‬‬

‫بيـن الجماعـات والأفـ ارد‪ ،‬وعلاقـات القـوة‪ ،‬وسـمات عـاوة علـى الحفـاظ علـى مصالـح دول الشـمال‬

‫وخصائـص بنـاء القـوة لـدى هـذه الشـعوب‪ ،‬ممـا الصناعيـة‪ ،‬لـدى دول العالـم الجنوبـي التـي تحـررت‬

‫سـهل ‪ -‬بصـورة مباشـرة أو غيـر مباشـرة ‪ -‬دخـول مـن الاسـتعمار‪ .‬هنـا تـم السـعي إلـى ‪ -‬والعمـل علـى‬

‫الحمـات العسـكرية البحريـة إلـى هـذه المجتمعـات‪ - .‬تدويـل اقتصـادات كل مـن الـدول التـي نالـت‬

‫اسـتقلالها‪ ،‬والـدول التـي عايشـت الاسـتعمار الجديـد‬        ‫وعليـه يمكننـا القـول‪:‬إن المنظومـة الاقتصاديـة‬
‫فـي ظـل منظومـة عالميـة‪ ،‬والعمـل علـى تبعيـة هـذه‬          ‫ال أرسمالية‪ ،‬تلك القائمة على الإنتاج من أجل الربح‬
‫الاقتصـادات الوليـدة للمركـز الصناعـي ال أرسـمالي‬          ‫‪ -‬منذ نشأتها وخلال م ارحل تطورها ‪ -‬كانت دائما‬
                                                           ‫فـي حاجـة إلـى بلـورة آليـات خـارج حـدود هـذه الـدول‬
                             ‫وخدمـة مصالحـه‪.‬‬               ‫الأوروبيـة لتحقيـق مصالـح هـذه المنظومـة‪ ،‬حيـث‬
                                                           ‫مثلـت موجـات التوسـع والمـد الاسـتعماري حتميـة‬
‫ويجب الإشارة هنا إلى أن معظم الدول الأوروبية‬
‫والولايـات المتحـدة انتهجـت‪ -‬بعـد الحـرب العالميـة‬

‫الثانيـة ‪ -‬سياسـات اقتصاديـة «كنزيـة» (نسـبة‬                                          ‫وجوديـة بالنسـبة لهـا‪.‬‬
‫لعالـم الاقتصـاد الشـهير جـون منيـارد كينز)‪،‬تـم‬
‫رسـم ملامحهـا وخططهـا فـي الثلاثينيـات مـن القـرن‬          ‫تمثلـت الم ارحـل الأولـى منهـا فـي جمـع المـادة‬
‫الماضـي علـى يـد الرئيـس الأمريكـي روزفلـد‪ ،‬وازنـت‬         ‫الخـام اللازمـة للعمليـة الإنتاجيـة بأبخـس الأسـعار‬
‫فيهـا بيـن مطالـب العمـال والمنظمـات النقابيـة مـن‬         ‫مـن الـدول التـي تتوفـر بهـا هـذه الخامـات‪ ،‬عـاوة‬
‫جهـة‪ ،‬ومطالـب رجـال الأعمـال والحكومـة‪ ،‬مـن‬                ‫علـى جلـب الأيـدي العاملـة القويـة وغيـر المكلفـة مـن‬
‫جهـة أخـرى‪( .‬يلاحـظ أن هـذه السياسـات انتهجتهـا‬
                                                                                 ‫ذات المناطـق مـن العالـم‪.‬‬

                                                       ‫‪39‬‬
   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44