Page 40 - مجلة تنوير - العدد الخامس
P. 40

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                    ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

                             ‫السـبعينيات”‪)7 (.‬‬                ‫الـدول ال أرسـمالية وعلـى أرسـها الولايـات المتحـدة فـي‬
                                                              ‫أعقـاب أزمـة الكسـاد فـي ثلاثينيـات القـرن الماضي)‪.‬‬
‫هـذا كمـا أن عوامـل ولـوج ال أرسـمالية إلـى مرحلـة‬
‫العولمـة‪ ،‬وتحـول العالـم إلـى قريـة كونيـة صغيـرة‬             ‫وهنـا ظهـرت مسـميات «دولـة الرفـاه”‪ ،‬و”الدولـة‬
‫قـد لعبـت دوا ار بالـغ التأثيـر فيمـا شـهده المجتمـع‬          ‫التدخلية”لنظـم اقتصاديـة أرسـمالية تسـعى الدولـة‬
‫الإنسـاني مـن مظاهـر اللاعدالـة بيـن مجتمعـات‬                 ‫فيهـا للتدخـل فـي العلاقـة بيـن رجـال الأعمـال‪،‬‬
‫العالم ال أرسمالي المتقدم‪ ،‬ومجتمعات العالم النامي‪،‬‬            ‫الذيـن كان يطلـب منهـم تقديـم بعـض التنـا لزات‪،‬‬
‫والتـي أسـهمت بدورهـا فيتعزيـز حالـة التخلـف‪،‬‬                 ‫وفـي الوقـت ذاتـه تعمـل الدولـة علـى دعـم العمـال‬
‫وتكثيـف حالـة الفقـر فـي العديـد مـن دول العالـم‬              ‫وتقديـم السياسـات الاجتماعيـة المختلفـة لهـم‪ ،‬الأمـر‬
‫الجنوبـي‪ ،‬وخاصـة فـي القـارة الآسـيوية والإفريقيـة‪.‬‬           ‫الـذي كان مـن شـأنه تخطـي الأزمـة‪ ،‬بـل وتحقيـق‬
                                                              ‫حالـة مـن النمـو الاقتصـادي لعـدة عقـود متواليـة‪.‬‬
‫وتشـير التقاريـر الدوليـة والإقليميـة إلـى أن العولمـة‬
‫المعاصـرة‪ ،‬أدت إلـى حالـة تعزيـر التفـاوت بيـن‬                ‫إلا أن هـذا الوضـع لـم يسـتمر طويـا‪ ،‬فمـع نهايـة‬
‫معـدلات نمـو اقتصـادات الـدول الغنيـة‪ ،‬واقتصـادات‬             ‫العقـد الثامـن مـن القـرن العشـرين وانهيـار النمـوذج‬
‫الـدول الفقيـرة‪ .‬الأمـر الـذي واكبهارتفـاع فـي معدلات‬         ‫الاشـت اركي السـوفييتي بدأت المناداة بتأسـيس برنامج‬
‫البطالـة‪ ،‬وانخفـاض فـي متوسـط دخـل الفـرد‪،‬‬                    ‫اقتصـادي جديـد يهـدف إلـى إعطـاء أولويـة المسـاعدة‬
‫وضعـف الخدمـات الأساسـية‪ :‬كالصحـة‪ ،‬والتعليـم‪،‬‬                 ‫لـدول الكتلـة الشـرقية‪ ،‬التـي خرجـت لتوهـا مـن‬
‫والخدمـات الثقافيـة‪ ،‬وانخفـاض فـرص التشـغيل فـي‬               ‫المنظومـة الاشـت اركية‪ ،‬واعتبارهـا هـي الـدول الأولـى‬
‫الـدول الناميـة‪ ،‬التـي لـم تسـتفيد مـن أدوات العولمـة‬         ‫بالرعايـة؛ الأمـر الـذي أثـر علـى المسـاعدات التـي‬
‫كالأسـواق المفتوحـة‪ ،‬وحركـة التجـارة الحـرة‪ ،‬وأسـواق‬           ‫كانـت تقـدم لـدول العالـم النامـي فـي الجنـوب‪)5(.‬‬
‫المـال المعولمـة فـي إيجـاد موطـئ قـدم فـي النظـام‬
                                                              ‫وقـد جـاء هـذا البرنامـج باسـم «وفـاق واشـنطن»‪،‬‬
                       ‫الاقتصـادي المعولـم‪)8(.‬‬                ‫والـذي تـم فيـه الدعـوة إلـى‪ )1(:‬حريـة التجـارة وحريـة‬
                                                              ‫حركة الأموال‪ )2(.‬تشجيع القطاع الخاص‪ ،‬المحلي‬
‫لقد تم تقسيم اقتصادات الدول النامية في المنظومة‬               ‫والأجنبـي‪ ،‬لكونـه ركيـزة التنميـة‪ )3(.‬تخفيـض ومـن‬
‫الأمميـة إلـى اقتصـادات تسـتفيد مـن الفـرص المتاحـة‬           ‫ثم يمكن القول‪:‬إنه تم الت ارجع عن معظم السياسات‬
‫فـي ظـل العولمـة‪ ،‬واقتصـادات لاتسـتفيد منهـا‪ .‬علمـا‬           ‫التـي كانـت تشـكل الحمايـة الاجتماعيـة فـي ضـوء‬
‫بأن الدول ذات الاقتصادات غير المستفيدة من هذه‬                 ‫المدرسـة الكنزيـة‪ ،‬سـواء لعمـال الـدول ال أرسـمالية أو‬
‫الفـرص (هـي الـدول التـي يشـار إليهـا فـي اجتماعـات‬
‫وتقاريـر منظمـة الأمـم المتحـدة بالـدول الأكثـر فقـ ار)‪،‬‬                      ‫لـدول العالـم النامـي فـي الجنـوب‪.‬‬
‫وذلـك رغمأنهـا مندمجـة ومتمفصلـة اقتصاديـا مـع‬
‫آليـات التجـارة والاقتصـاد المعولميـن‪ ،‬فإناقتصاداتهـا‬         ‫هنـا بـدأت مرحلـة جديـدة للاقتصـاد الليب ارلـي‬
‫تتأثـر سـلبا بالسـوق ال أرسـمالي المعولـم‪ ،‬وبالتحـولات‬        ‫الجديـد‪ ،‬الـذي اعتمـد علـى مقـولات النظريـة‬
‫الاقتصاديـة التـي تحـدث فيـه‪ .‬ومـن ثـم لاتجنـي مـن‬            ‫الليب ارليـة الكلاسـيكية الجديـدة‪ ،‬وهـي آليـة السـوق‬
‫هـذا التمفصـل والاندمـاج سـوى مزيـد مـن التبعيـة‬              ‫الحـرة فـي توفيـر المـوارد‪ ،‬وعـدم تدخـل الدولـة فـي‬
                                                              ‫الشـئون الاقتصاديـة‪ .‬وعليـه شـهدت فتـرة السـتينيات‬
                           ‫والفقـر والتخلـف‪)9(.‬‬               ‫والسـبعينيات «انبعـاث الليب ارليـة مـن جديـد‪ ،‬واتهمـت‬
                                                              ‫الكنزيـة بأنهـا سـبب تفاقـم المصاعـب أوائـل‬
‫وبالنظـر لحـال الـدول العربيـة نجـد أن حالـة‬

                                                          ‫‪40‬‬
   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44   45