Page 49 - مجلة تنوير - العدد الخامس

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫التـ ارث المـادي وغيـر المـادي بمدينـة تشـنجدو‬ ‫الناميـة‪ ،‬ولا فـي كل الأوقـات‪ ،‬ولا فـي كل السـياقات‬
‫الصينيـة فـي عـام ‪ ،2008‬طلـب وزيـر التعليـم‬ ‫ا لمجتمعي ـة ‪.‬‬
‫الصينـي مقابلتـي (بصفتـي سـفير مصـر ومندوبهـا‬
‫الدائم لدى منظمة اليونسكو) لإبلاغي بموافقة بلاده‬ ‫فممـا لا شـك فيـه أن العولمـة تفتـح مجـالات‬
‫علـى دعـم الترشـح المصـري لرآسـة المنظمـة فـي‬ ‫وفرصـا لتحقيـق التنميـة بأبعادهـا المختلفـة فـي الدول‬
‫انتخابـات ‪ .2009‬انتهـزت هـذه الفرصـة للاستفسـار‬ ‫الناميـة‪ ،‬شـريطة أن تهيـئ حكومـات هـذه الـدول‬
‫عـن ملامـح منظومـة التعليـم الأساسـي فـي مـدن‬ ‫الإ اردة والرؤيـة الوطنيـة الرشـيدة والمدعومـة بالسـند‬
‫وقـرى دولـة الصيـن‪ ،‬فجـاء تأكيـد الوزيـر علـى أن‬ ‫الشـعبي (الظهيـر الاجتماعـي) لإنجـاح اسـت ارتيجية‬
‫المنظومـة التعليميـة فـي الصيـن تقـوم علـى مبـدأ‬ ‫التنميـة الشـاملة بهـا بتلاحـم إ اردة قطبـي الدولـة‪:‬‬
‫الـا مركزيـة فـي الب ارمـج التعليميـة‪ ،‬وذلـك م ارعـاة‬
‫للخصوصيـة البيئيـة والثقافيـة لـكل منطقـة‪ ،‬حيـث‬ ‫الحكومـة والشـعب‪.‬‬
‫توضـع الب ارمـج التعليميـة مـن قبـل متخصصيـن‬
‫تربوييـن مـن نفـس المنطقـة‪ ،‬آخذيـن فـي اعتبارهـم‬ ‫الثانيـة‪ :‬أنـه إذا كانـت تحديـات العولمـة تأتـي‬
‫أن يكـون محتـوى المقـر ارت مرتبطـا بالبيئـة المحليـة‬ ‫مـن خـارج حـدود الدولـة‪ ،‬فـإن آليـات الاسـتفادة‬
‫منهـا تكمـن فـي داخـل الدولـة ذاتهـا‪ ،‬تكمـن تحديـداً‬
‫وإمكاناتهـا ومتطلباتهـا‪ ،‬وفـرص التشـغيل بهـا‪.‬‬ ‫فـي الإمكانـات التـي توفرهـا السـياقات المجتمعيـة‬
‫المحليـة للـدول الناميـة‪ ،‬والتـي تقـع علـى قمتهـا وجـود‬
‫إن تجـارب تلـك الـدول الناميـة‪ ،‬ذات الاقتصـادات‬ ‫سياسـات عقلانيـة تتمسـك بهـا الحكومـات والنخـب‬
‫البازغـة‪ ،‬فـي تحقيـق التنميـة الشـاملة فـي القطاعـات‬ ‫الاقتصاديـة‪ ،‬والسياسـية‪ ،‬والثقافيـة‪ ،‬ومـن ثـم الأفـ ارد‪.‬‬
‫الخدميـة والإنتاجيـة جديـرة بالد ارسـة‪ ،‬بـل والمحـاكاة‬ ‫الأمـر الـذي مـن شـأنه أن يعمـل علـى تعزيـز دولـة‬
‫لتشـابه حضا ارتهـا‪ ،‬عوضـا عـن محـاكاة النمـاذج‬ ‫القانـون‪ ،‬والحـد مـن أنمـاط الـا عقلانيـة فـي كل‬
‫الغربيـة فـي التعليـم‪ .‬فهـي نمـاذج تنمويـة لـم تعتمـد‬ ‫التعامـات والعلاقـات الرسـمية وغيـر الرسـمية‬
‫اسـت ارتيجياتها الوطنيـة علـى الأخـذ بطريـق النمـو‬
‫الحداثـي الغربـي‪ ،‬بـل بنيـت علـى القناعـة الجمعيـة‬ ‫بالدول ـة‪.‬‬
‫بحتميـة الولـوج إلـى العولمـة علـى طريـق الحريـر‬
‫الصينـي‪ ،‬الأمـر الـذي قـاد فـي النهايـة إلـى التقـدم‬ ‫فكم من دولة نامية اسـتطاعت أن تواجه تحديات‬
‫الاقتصادي والعسكري الهائل الذي تخطى الـ ‪%10‬‬ ‫العولمـة والسـطوة الأمريكيـة علـى مقد ارتهـا‪ ،‬وأن‬
‫لعـدة عقـود لدولـة الصيـن‪ .‬ويشـير موقـع الـ ‪BBC‬‬ ‫تُو ِجـد موطـئ قـدم لاقتصادهـا النامـي علـى خريطـة‬
‫الإخبـاري فـي هـذا الشـأن‪ ،‬بأنـه ورغـم جائحـة‬ ‫العولمـة فـي العقـود الخمسـة الأخيـرة‪ !..‬يحضرنـي‬
‫كورونـا حقـق الاقتصـاد الصينـي معـدل نمـو وصـل‬ ‫فـي مقدمـة هـذه الـدول الناميـة‪ ،‬دولـة الصيـن‪ ،‬التـي‬
‫إلـى ‪ %18.3‬فـي الربـع الأول مـن عـام ‪،2021‬‬ ‫رسـخت حكوماتهـا كل جهودهـا فـي العقـود الأخيـرة‬
‫وأن هـذه أكبـر قفـزة يشـهدها الاقتصـاد الصينـي منـذ‬ ‫مـن أجـل بلـورة اسـت اريجية قوميـة‪ ،‬تسـعى إلـى‬
‫عـام ‪ 1992‬الـذي بـدأ تسـجيل الأداء الاقتصـادي‬ ‫اسـتنهاض كل القـوى التنفيذيـة للدولـة لإعـادة بنـاء‬
‫المواطـن الصينـي‪ ،‬والـذي باسـتنهاضه أصبـح هـو‬
‫للدولـة كل ربـع سـنة‪.‬‬ ‫قـوة الدفـع الرئيسـية لإنجـاز بنـود هـذه الاسـت ارتيجية‬

‫أيضـا نمـوذج كل مـن دولـة الهنـد ودولـة الب ارزيـل‪،‬‬ ‫الوطني ـة‪.‬‬
‫والتـي سـعت حكومـات كل منهمـا إلـى بلـورة‬
‫خـال مشـاركتي فـي أحـد المنتديـات الدوليـة‬
‫الخاصـة بلجنـة التـ ارث العالمـي والمعنيـة بحمايـة‬

‫‪49‬‬