Page 68 - مجلة تنوير - العدد الخامس
P. 68
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
والحضـارة والتقـدم قـد أشـبعت مفهـوم “الثقافـة” الـذي الناس ،وربما معظم الفلاسفة كذلك ،يفضلون التعدد
كان ينطـوي علـى فكـرة التقـدم)((3(. والاختـاف علـى الكليـة والإطلاقيـة ...المسـألة،
إذن ،ليسـت تفضيـل التعدديـة ،لكـن عبادتهـا ،فعبـادة
ويوضـح جاكوبـي كيـف أن الثقافـة اليـوم قطعـت الأثـر تلـك تـؤدي إلـى تخريـب البحـث المتـزن عـن
صلاتهـا بالإنبـات وبالعقـل ،أي بالمعانـي التـي الحقيقـة عـن طريـق الميـل بهـا إلـى الولـع ...التعددية
سـادت مـن قبـل ،وأصبحـت تعنـي أي منظومـة الثقافيـة لا شـك أفضـل مـن الأحاديـة الثقافيـة ،وعالـم
مـن الأنشـطة ،ولـم يعـد المفهـوم الجديـد يتضمـن مـن الاختـاف يفـوق عالمـا مـن التماثـل .لكـن مـا
أي تقويـم ،فالثقافـات لايمكـن أن تت ارتـب أو تتـدرج،
فهـي جميعـا متسـاوية .والثقافـة تصبـح حقيقـة مـن هـي التعدديـة الثقافيـة؟
حقائـق الحيـاة ،وعنـد كثيـر مـن الأنثروبولوجييـن فـإن
هـذا المفهـوم الجديـد قـد وجـه ضربـة مميتـة إلـى يقـول جاكوبـي( :لقـد أصبحـت أفـكار التعدديـة
الثقافيـة وتعـدد الثقافـات والتنـوع أفـكا ار مقدسـة ،لقـد
العنصريـة التـي تضـع قنـاع العلـم((4(. أصبحـت «شـيكات علـى بيـاض»« ،قابلـة» للدفـع
لأي شخص ،وبأي مبلغ ،دون معنى أو مضمون.
يـرى جاكوبـي أنـه مـا لـم نضـع فـي الاعتبـار لقـد أصبحـت لا تعنـي سياسـات فقـط ،لكنهـا حّلـت
مـا يميـز ثقافـة عـن أخـرى ،سـيهوي الحديـث عـن محـل السياسـات ...إن التعدديـة الثقافيـة لا تعنـي
التعدديـة الثقافيـة إلـى مهـاوي الخ ارفـات والأوهـام، رؤيـة مـا ...ثمـة أسـئلة عـدة نـاد ار مـا تُطـرح ،وأنـدر
وإذا كّنـا لا نسـتطيع أن نحـدد مـا يميـز ثقافـة مـا مـن ذلـك أن ُيجـاب عنهـا ،فيمـا يتعلـق بالتعدديـة
فكيف يمكننا أن نفهم العلاقة بين ثقافتين أو أكثر، الثقافيـة :مـا قـدر التعـدد فـي التعدديـة الثقافيـة؟
أو التعدديـة الثقافيـة؟ ولنضـع الأمـر علـى وجهـه مـا الفـروق الحقيقيـة بيـن الثقافـات؟ مـاذا تعنـي
الصريـح :إن التعدديـة الثقافيـة تقـوم علـى أصـل كلمـة «الثقافـة»؟ ومـاذا تعنـي كلمـة التعـدد؟ كيـف
ثقافـي ،هـو الرفـض أو العجـز عـن تحديـد مـا الـذي ولمـاذا حـ َّل التحليـل الثقافـي محـل مناهـج التحليـل
الاقتصـادي والاجتماعـي؟ مـا العلاقـة بيـن السياسـة
يشـِّكل الثقافـة((4(. والتعدديـة الثقافيـة؟ وقـد يتطلـب توضيـح كلمتـي
«الثقافـة» و»التعـدد» مجلـدات بأكملهـا ،خاصـة
إن كلمـة الثقافـة ذاتهـا قـد تغيـر معناهـا عبـر
مسـار تاريـخ نموهـا وتطورهـا .والكثيـر مـن الفلاسـفة الأولـى منهمـا)((3(.
والمفكريـن أصبـح يعـول علـى أهميـة الثقافـة ودورهـا
يذكـر لنـا جاكوبـي التحـولات التـي مـَّر بهـا مفهـوم
المؤثـر بالنسـبة لكافـة المجـالات الأخـرى((4(. الثقافـة ،والتقلبـات التـي لقيهـا هـذا التعبيـر “الثقافـة”،
وكيـف كانـت الثقافـة محـل احتقـار مـن البعـض
هـل نحـن أمـام مـا أسـماه جاكوبـي بـ «الهزيمـة لأسـباب متناقضـة ،ي ارهـا البعـض خداعـا ودجـا
النظريـة» ،إننـا نوافقـه الـ أري فـي أن الثقافـة اتسـمت وحديثـا رخيصـا للضعفـاء ،أو أنهـا خادعـة لأنهـا
بطابـع ذاتـي أو شـخصي .ممـا يؤكـد التوتـر بيـن تحنـث بوعودهـا ،حديثهـا عـن الأخـوة والمسـاواة
والجمـال والك ارمـة يدفـع المواطـن إلـى العنـف،
الكوكبـي وخصوصيـة الثقافـة. فالبعـض يكـره نفاقهـا ،وتصـوب كل الأطـ ارف
طلقاتهـا نحـو الفكـرة الكلاسـيكية عـن الثقافـة التـي
( ((3المرجع السابق ،ص.50 بزغـت مـع التنويـر .فالأفـكار الخاصـة بالتعليـم
( ((4المرجع السابق ،ص.53 ( ((3المرجع السابق ،ص ص.49-48
( ((4المرجع السابق ،ص.54
( ((4يراجــع فــي ذلــك :الثقافــات وقيــم التقــدم ،تحريــر:
لورانـس إ .هاريـزون ،صمويـل ب .هنتنجتـون ،ترجمـة
شــوقي جــال ،المركــز القومــي للترجمــة.536/2 ،
68