Page 48 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 48
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
يعيـش العـرب الآن أزمـة طاحنـة بحيـث أصبـح وبالعالـم وبـالله وبالسـماء والأرض ومـا بينهمـا وبالدنيـا
وبالآخـرة ...إلـخ. وجودهـم كأمـة وشـعب ووطـن مهـدًدا فـي التاريـخ،
إن الأوطـان كلهـا مهـددة بالتجزئـة والتفتيـت العرقـي
أنـا لا أهـدف التأكيـد علـى مواطنـة ذات خصوصيـة والطائفـي والمذهبـي وتحويـل المنطقـة كلهـا إلـى دويـات
ثقافيـة منغلقـة ،بـل التأكيـد علـى مواطنـة مرنـة فاعلـة شـيعية وُسـّنّية وكردية وتركمانية وعربية وبربرية وزنجية
متفاعلـة؛ تتفاعـل فيهـا ثقافتنـا مـع العـام الكونـي ،وعلينـا وإسـامية وقبطيـة ،حتـى تصبـح إسـ ارئيل أكبـر دولـة
أن نسـعى للانفـات مـن الصـ ارع وسـطوة الغـرب، عرقيـة طائفيـة فـي المنطقـة ،تأخـذ شـرعيةجديدةمنطبيعة
وآلياتـه فـي السـيطرة والتهميـش والهيمنـة؛ لأن فكـر
الصـ ارع والثنائيـات لـن يكـون حـاً للواقـع المـأزوم ،إننـا الجغ ارفيـا السياسـية.1
لا نسـتطيع – مـن موقعنـا ال ارهـن – أن نقـدَم فلسـفة إن المواطنـة المتعلقـة بالهويـة؛ هـي انتمـاء وولاء
نقديـة بديلـة تقيـم حـواًار مـع الغـرب ،إلا إذا كَّنـا أقويـاء، للوطـن ،انتمـاء ذو بعـد نفسـي عقـدي روحـي شـعوري،
و»هـل يمكـن لأحـد أن ُينكـر أن العيـش فـي مجتمـع نحـن ننتمـي لوطننـا لأننـا ولدنـا فيـه ،هنـاك علاقـة نفسـية
مـن الأنـداد المتسـاوين يميـل بالإنسـان – علـى وجـه بينـي وبيـن مهـادي الأول الـذي نشـأت فيـه ،هـذه العلاقـة
النفسـية التـي عبـر عنهـا رسـولنا الكريـم صلـى الله عليـه العمـوم – لأن ترتفـع معنوياتـه ،وأن تعمـل إمكاناتـه
وسـلم حيـن أخرجـوه مـن مكـة مـن وطنـه مـن مهـاده بيسـر وفاعليـة؟ وهـل يمكـن لأحـد أن ُينكـر أنـه لـو عـاش
الأول ،لكن البعد النفسـي لا بد أن يكون محمًّيا بالأمن فـي مجتمـع يجعلـه فـي إحسـاس دائـم بامتيـاز الآخريـن
والأمـان فـي ظـل وطـن يحكمـه نظـام سياسـي ،وقوانيـن عليـه ،وبأنـه بـا قيمـة علـى الإطـاق ،فـإن مـن شـأن
تحقـق لـه الأمـن والأمـان والحمايـة والك ارمـة والعـدل هـذا الإحسـاس – علـى وجـه العمـوم كذلـك – أن يجعلـه
مكتئًبـا وعاجـًاز شـبه مشـلول؟» ،3كمـا أن عملنـا النظـري والمسـاواة ...إلـخ.
هـو فـي الحقيقـة ذو طابـع يوتوبـي! لكـن فيمـا أرى أن مـا
هـو بحاجـة إلـى أن يتغيـر هـو :الإنسـان العربـي والفكـر والعجيـب أنـه حتـى مـع دخـول العديـد مـن الثقافـات
العربـي والـروح العربـي ،كـي يتغيـر روح العصـر ،إن فـي الإسـام ،ظـل الإسـام يحافـظ علـى الوطـن؛ سـلمان
التاريـخ لا ُيعيـد نفسـه ،لكـ َّن أحداثـه تتقـارب أحياًنـا ،اليـوم الفارسـي وصهيـب الرومـي وبـال الحبشـي ،وكمـا نجـد
تبـددت الثقـة بالـذات ونضبـت الإمكانـات ،وسـقم الخيـال المسـلم الأمريكـي والمسـلم البريطانـي والهنـدي والصينـي
وضعفـت الإ اردة ،إن المـ ازج العربـي اليـوم معتـم حزيـن ...إلـخ ،هـل نتحـدث عـن المواطنـة بوصفهـا علاقـة
يعانـي ثقـل العـبء الانفعالـي والإحسـاس بـالإذلال وقلـة نفسـية شـعورية متعـددة المـآرب والمشـارب ،تظهـر
تجلياتها في الوعي الإنسـاني المتمثل في الوعي الذاتي
الحيلـة ،ولا يـدري مـا مصيـره فـي ظـل ال ارهـن؟؟؟ والوعـي بالآخـر والوعـي بالعالـم ،ليـس فقـط مـن خـال
في ظل ال ارهن العربي وما يحدث للمسـلمين في كل هـذه الدوائـر الثـاث المتمثلـة فـي التكويـن الظاه ارتـي،2
بـل فـي عوالـم الوعـي المتعـددة ،الوعـي بالـذات وبالآخـر مـكان ،لا أملـك إلا القـول بـ« :خ ارفـة التعدديـة الثقافيـة»
و»خ ارفـة المواطنـة العالميـة» و»خ ارفـة المواطنـة متعـددة ( )1د .حسـن حنفـي :الوطـن والمواطنـة تحليـل ظاه ارتـي ،ضمـن
الثقافات» و»خ ارفة حقوق الإنسـان». أعمـال النـدوة الفلسـفية الثامنـة عشـرة التـي نظمتهـا الجمعيـة
الفلسـفية المصريـة بجامعـة القاهـرة تحـت عنـوان« :الوطـن
والمواطنـة» ،مركـز الكتـاب للنشـر ،ط أولـى ،2011،ص
ص .23 -22
( )3ويل كيمليكا ،أوديسا التعددية الثقافية ،ج ،2ص.87 (ُ )2ي ارجع في ذلك المرجع السابق.
48