Page 44 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 44

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                   ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫والتفتت والضعف‪ ،‬وهذا هو ما يحدث في واقعنا ال ارهن الحفـاظ علـى أمـن دولـة إسـ ارئيل‪ ،‬إنـه كان حل ًمـا داعـب‬
‫مـن تقسـيم الـدول العربيـة إلـى دويـات ‪ ،‬كمـا حـدث فـي الـدول الإمبرياليـة الكبـرى‪ ،‬مـن بريطانيـا العظمى وفرنسـا‬

‫إلـى الولايـات المتحـدة الأمريكيـة‪ ،‬وسـرعان مـا تحقـق‬        ‫العـ ارق والسـودان‪ ،‬وكمـا هـو مقـرر فـي مشـروع برنـارد‬
‫علـى الأرض‪ ،‬وظهـرت نتائـج تلـك المؤامـرة فـى صـورة‬           ‫لويـس الـذي أقـره الكونجـرس الأمريكـي سـنة ‪،1983‬‬
‫تحريـض واسـتعمار وحـروب بالوكالـة‪ ،‬نجحـت فـى نهايـة‬          ‫والـذي أسـمته كونداليـ از رويـس الشـرق الأوسـط الجديـد‪،‬‬

            ‫الأمـر فـى تغييـر الخريطـة علـى الأرض‪.‬‬                  ‫والفوضـى الخلاقـة‪ ،‬إنـه سـايكس بيكـو جديـد‪.‬‬

‫إن فلاسـفة الغـرب يتحركـون فـي نطـاق الثقافـة‬                ‫وحيـن يتحـدث الفيلسـوف الغربـي عـن الديمق ارطيـات‬
‫الغربيـة‪ ،‬ويقدمـون صـورة افت ارضيـة عـن المواطنـة‬            ‫الغربيـة وعـن حقـوق الإنسـان وعـن العدالـة‪ ،‬هـل كان‬
‫متعددة الثقافات وعن المسـاواة والعدالة وحقوق الإنسـان‬        ‫بإمكانـه أن ينشـئ نظريـة تاريخيـة عـن العدالـة‪ ،‬والعدالـة‬
                                                             ‫كانـت ومـا ازلـت أثـًار بعيـًدا فـي تاريـخ بلـدان مـا يسـمى‬
   ‫لا تنطبـق علـى الواقـع‪ ،‬وخاصـة واقعنـا العربـي!‬           ‫الديمق ارطيـات الغربيـة؟ الواقـع التاريخـي المتمثـل فـي‬
                                                             ‫ظاهـرة اسـتعباد الأفريقييـن السـود فـي الغـرب‪ ،‬وإبـادة‬
‫مـن يشـاهد وضـع العالـم العربـي اليـوم يشـعر‬                 ‫مـا يقـارب التسـعة وثلاثيـن مليوًنـا مـن أصـل أربعيـن‬
‫بالحـزن والأسـى والألـم علـى المسـتقبل الغامـض الـذي‬         ‫مليوًنـا مـن سـكان البـاد الأصلييـن الهنـود الحمـر علـى‬
‫ينتظـر مصيـر هـذه الأمـة‪ ،‬لـم يكـن أحـد يتصـور فـي‬           ‫أيـدي المسـتوطنين الأوربييـن‪ ،‬وفـي حـرب شـمال أمريـكا‬
‫يـوم مـن الأيـام أن نصـل إلـى هـذا الواقـع الأليـم بمـا‬      ‫مـع جنوبهـا‪ ،‬وفـي الحربيـن العالميتيـن الكارثيتيـن التـي‬
‫فيـه مـن كل مظاهـر الانهيـار والدمـار والانقسـامات‪،‬‬

‫شـاركت الـدول الديمق ارطيـة فيهمـا‪ ،‬واسـتعمار الشـعوب لـم يكـن أحـٌد يتصـور أن تتوافـد حشـود الغـ ازة مـن‬
‫الأخـرى مـن قبلهـا‪ ،‬غيـر ذلـك كثيـر مثـل العولـة أو كل لـون وجنـس ونجـد أنفسـنا أمـام أشـكال جديـدة مـن‬

‫الاحتـال الوحشـي الـذي دمـر المـدن وطـرد البشـر‬              ‫الهيمنـة الأمريكيـة فـي حاضرنـا‪ ،‬يسـأل‪ :‬هـل كل ذلـك‬
‫واسـتباح المـوارد والثـروات وعـاد بالشـعوب مـرة أخـرى‬        ‫التاريخ الأسـود يسـمح للفيلسـوف الغربي أن يشـيد نظرية‬
‫إلـى عصـور مـن التخلـف والفوضـى‪ ،‬مـن كان يتصـور‬
                                                                         ‫مقبولـة فـي العدالـة الأخلاقيـة السياسـية؟‬

‫والجـواب‪ ،‬هـو بالنفـي‪ 1‬إن المواقـف المفجعـة التـي أن أكثـَر مـن جيـش عربـي تـم تدميـره وأن هنـاك مدًنـا‬
‫قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية في شطب مدينتي تمـت إ ازلتهـا مـن الوجـود‪ ،‬وأن هنـاك الملاييـن مـن‬

‫هيروشـيما وناجا ازكـي اليابانيتيـن‪ ،‬وفـي فيتنـام‪ ،‬وفـي البشـر الذيـن هربـوا مـن أوطانهـم وانتشـروا فـي بـاد الله‬

‫فلسطين وفي الع ارق وفي طول الشرق الأوسط‪ ،‬كل هذا يبحثـون عـن الأمـن والحمايـة‪ ،‬كيـف تسـللت الجيـوش‬

‫ممـا كان يعرفـه فلاسـفة الغـرب ولـم ينبسـوا ببنـت شـفه! الغازيـة واحتلـت مواقعهـا فـي الـدول العربيـة دولـة‬
‫وخ ارئط تقسـيم الشـرق الأوسـط من «سـايكس بيكو» إلى بعـد أخـرى ودمـرت كل مـا فيهـا مـن مظاهـر التقـدم‬
                                                             ‫«برنـارد لويـس» وخطتـه التـي وافـق عليهـا الكونجـرس‬
‫والاسـتق ارر وتحولـت الشـعوب العربيـة إلـى جماعـات‬           ‫الأمريكـي لتقسـيم الشـرق الأوسـط إلـى دويـات ضعيفـة‬
‫وفئـات وانقسـمت علـى بعضهـا فـي حـروب أهليـة لـم‬             ‫وفًقـا لمصالـح الـدول الغربيـة فـى المنطقـة‪ ،‬إضافـة إلـى‬
‫ينتصـر فيهـا أحـد‪ ،‬مـن يصـدق أن تُسـتباح الك ارمـة‬

‫العربيـة أمـام قـوات غازيـة تحتـل الأ ارضـي وتطـرد‬           ‫(‪ )1‬أفدنـا مـن تقديـم المترجـم حيـدر حـاج إسـماعيل‪ ،‬فـي حديثـه‬
         ‫الأهالـي‪ ،‬وتدمـر المـدن وتسـرق الثـروات‪.‬‬            ‫عـن جـون رولـز‪ ،‬وترجمتـه لكتـاب‪ :‬العدالـة كإنصـاف‪ ،‬إعـادة‬

                                                                                                      ‫صياغـة‪ ،‬ص‪.43‬‬

                                                         ‫‪44‬‬
   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49