Page 40 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 40

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                    ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫الزمـ َن العمومـي للمجتمـع الحديـث زمـن علمانـي؟ هـل‬                     ‫إلـى شـن عنـف يسـتهدف أكبـاش الفـداء‪.1‬‬
‫المجتمع الحديث هنا هو المجتمع الإنسـاني؟ إن الزمن‬
‫العلمانـي فيـه يقـرر الشـع ُب مصيـَره بنفسـه‪ ،‬ممـا يعنـي‬      ‫الواقـع أننـا نحـن العـرب والمسـلمين فـي كل بقـاع‬
‫أن تأسـيس وجـود شـعب مـن الشـعوب لا يقـوم علـى‬                ‫العالـم أصبحنـا أكبـاش فـداء للسـيد الغربـي الميهمـن‬
‫معنـى “التعالـي” أو الزمـن العمـودي أو الرسـم الأخـروي‬        ‫والمسـيطر‪ ،‬فك ّرًيـا وسياسـًّيا واقتصادًّيـا وثقافًّيـا‪ ،‬إنـه‬
‫أو الفعـل المقـدس أو الوصايـا المعصومـة‪ ،‬إن الـذي‬             ‫الغربـي‪ ،‬وقـد تبنـى النهـج الـذي اتبعـه نيتشـه فـي رفضـه‬
‫يحكـم الشـعوب الحديثـة هـو “مخيـال اجتماعـي” ‪social‬‬           ‫قيـم المسـاواة والنزعـة الإنسـانية فـي النظـام الحديـث‬
‫‪ imaginary‬يعمـل داخـل زمـن علمانـي صـرف‪ ،‬لقـد‬                 ‫جملـة واقتـرح سياسـات جديـدة للبطولـة والهيمنـة والإ اردة‪.‬‬
‫صـار الشـعب قـادًار علـى أن يمنـح نفسـه دسـتوره‬
‫الخـاص بفضـل فعـل حـر‪ ،‬فـي زمـن علمانـي‪ ،‬لا أقـدار‬            ‫ويعتـرف تايلـور – فـي نهايـة كتابـه – أن المتخيـا ِت‬
‫فيـه ولا رسـالات مسـبقة‪ ،‬لقـد ارتبـط ظهـور فكـرة الشـعب‬       ‫الاجتماعيـة الحديثـة قـد تكـون مليئـة بأشـكال الوعـي‬
‫بفهـم جديـد تما ًمـا للزمـان هـو الزمـن العلمانـي‪ ،‬الـذي‬      ‫الأيديولوجـي ال ازئـف‪ ،‬غيـر أن زيفهـا لا يمكـن أن يكـون‬
‫يمكـن للشـعب فيـه أن يشـرع لنفسـه شـكل الخـاص‬                 ‫شـاملاً‪ ،‬المتخيـل الاجتماعـي يمكـن أن يكـون مليًئـا‬
‫الـذي يناسـبه فـي زمـن لا يـرزخ تحـت أي أزمنـة أصليـة‬         ‫بأشـكال التخيـل والكبـت التـي تخـدم الـذات‪ ،‬لكنـه مكـون‬

                                      ‫أو أخرويـة‪.5‬‬                          ‫أساسـي مـن مكونـات مـا هـو حقيقـي‪.2‬‬

‫لكـن هـل يلغـي تايلـور الديـن فـي التصـور العلمانـي؟‬          ‫وفـي كتابـه “عصـر علمانـي”‪ ،3‬الجملـة الأولـى مـن‬
‫يؤكـد تايلـور علـى أن العلمنـة لا تتعلـق بـأي انهيـار‬         ‫تصدير الكتاب في صورة تسـاؤل يقول‪“ :‬ماذا يعني أن‬
‫تاريخـي للديـن‪ ،‬بـل فقـط بظهـور “شـروط جديـدة ضمنها‬           ‫نقـول‪ :‬إننـا نعيـش فـي عصـر علمانـي”‪ ،‬مـن الواضـح أن‬
‫يمكـن للإيمـان وعـدم الإيمـان أن يتعايشـا”‪،‬على حـّد‬           ‫تايلـور يتحـدث هنـا باسـم “نحـن” معَّينـة جـًّدا هـي نحـن‬
‫كلمـة سـواء‪ ،‬فعلـى مـدى القـرن العشـرين تـم انتشـار‬           ‫الغـرب‪ ،‬وقـد أكـد علـى ذلـك بقولـه‪“ :‬أنـا أعنـي “نحـن”‬
‫نـوع مخصـوص مـن “ثقافـة الأصالـة”‪ ،‬أو “الفردانيـة‬             ‫التـي تعيـش فـي الغـرب‪ ،‬وأصبـح الكتـاب كلـه يـدور‬
‫التعبيريـة”‪ ،‬ضمنهـا تـم تشـجيع النـاس علـى اكتشـاف‬            ‫حـول قصـة العلمانيـة فـي الغـرب الحديـث‪ ،4‬وأتسـاءل‬
‫طريقتهـم الخاصـة فـي تحقيـق أنفسـهم‪ ،‬وحسـب تايلـور‬            ‫هـل أفـق الإنسـانية الحديثـة هـو أفـق غربـي؟ أليـس‬
‫نحـن نعيـش اليـوم فـي “سـوبر نوفـا”‪super-nova‬‬                 ‫الأفـق الغربـي هـو أفـق خـاص‪ ،‬وكيـف للخـاص أن‬
‫روحيـة نم ًطـا مـن التعدديـة المت ازيـدة علـى المسـتوى‬        ‫يكـون كونًّيـا عالمًّيـا؟ مـا معنـى أن يكـون الزمـن العلمانـي‬
                                                              ‫هـو زمـن عمومـي للمجتمـع الحديـث؟ ومـا معنـى أن‬

‫الروح ـي‪.6‬‬                                                    ‫(‪ )1‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.207‬‬

‫لقـد أصبحـت عـودة الديـن – فـي الزمـن العلمانـي –‬             ‫(‪ )2‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.208‬‬

‫فـي نظـر تايلـور‪ ،‬هـي موقـف إنسـانوي‪ ،‬وأصبـح مـا يميز‬         ‫‪(3( Charles Taylor, A Secular Age (Cambridge,‬‬
‫الثقافـة الغربيـة ‪ -‬اليهوديـة‪ /‬المسـيحية‪ ،‬حسـب تايلـور‪،‬‬       ‫‪Massachusetts, and London, England: Belknap‬‬
                                                              ‫‪Press of Harvard University Press, 2007.‬‬

‫(‪ )5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.7‬‬                                        ‫(‪ )4‬فتحـي المسـكيني‪ ،‬الزمـن العلمانـي وعـودة الديـن‪ :‬نمـوذج‬
                                                              ‫تشـارلز تايلـور‪ ،hekmah.org ،‬الموقـع علـى النـت ‪https;//‬‬
‫(‪ )6‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.8‬‬                                        ‫‪www.printfriendly.com/p/g/7cdsvJ‬‬

                                                          ‫‪40‬‬
   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44   45