Page 35 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 35

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                      ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫أصبحـت الثقافـة هـي مـا تريـد أي جماعـة أو أي باحـث‬             ‫لذلـك يـرى ارسـل جاكوبـي أن الثقافـة فقـدت كل‬
‫أن تكون‪ ،‬ولا أحد يجادل في أن أي جماعة من الناس‬                  ‫خصوصيـة‪ ،‬أصبحـت كل شـيء ولا شـيء‪ ،‬فحيـن‬
                                                                ‫تعـرف الثقافـة بأنهـا “نظـام مـن الأدوات والقوانيـن‬
                              ‫تشـكل ثقافـة مسـتقلة‪.‬‬             ‫والطقـوس ومظاهـر السـلوك”‪ ،‬يصبـح لـكل نـاس‪ ،‬بـل‬
                                                                ‫لـكل جماعـة‪ ،‬بـل لـكل جماعـة فرعيـة “ثقافـة”‪ ،‬بـل إن‬
‫فـي الوقـت ذاتـه‪ ،‬فـإن الرطانـة حـول التنـوع الثقافـي‬           ‫“أي” نشـاط “لأي” جماعـة يمكـن أن يشـكل ثقافـة أو‬
‫تـؤدي إلـى تعتيـم الحقائـق الاجتماعيـة والاقتصاديـة‪ ،‬بأن‬        ‫ثقافـة فرعيـة‪ ،‬فـكل شـيء ثقافـة‪ ،‬وأي شـيء يمكـن أن‬
‫تجعلهـا إمـا غيـَر ذات دلالـة وإمـا غيـر مهمـة‪ ،‬فالقائلـون‬      ‫يكـون ثقافـة‪ ،‬ومـا يحـدد ثقافـة خاصـة هـو – ببسـاطة‬
‫بالتعدديـة الثقافيـة ينظـرون إلـى الثقافـة وحدهـا‪ ،‬ولا‬          ‫– “الملاءمـة” و”مسـتوى التجريـد”‪ ،1‬هنـا يشـير جاكوبـي‬
‫يـكادون يلقـون بـالاً للحاجـات والشـئون الاقتصاديـة‪،‬‬            ‫إلـى مـا أسـماه “الخسـارة النظريـة” التـي قـد تبـدو قليلـة‪،‬‬
‫وكيـف يمكـن للثقافـة أن تتغـذى وتبقـى بعيـًدا عـن العمـل‬        ‫فمـا الخطـر المتمثـل فـي أن ننظـر إلـى كل جماعـة‬
‫وإنتـاج الثـروة؟ وإذا كان هـذا غيـر ممكـن‪ :‬فكيـف يمكـن‬          ‫باعتبارهـا “ثقافـة”؟ وإلـى كل نشـاط باعتبـاره “ثقافًّيـا”؟‬
‫فهـم الثقافـة مـن دون أن نضـع فـي الاعتبـار تشـابكها‬            ‫لـدى كل منـا قائمتـه الخاصـة‪ ،‬لكـن الجوهـر هـو أن‬
                                                                ‫ك َّل جماعـة متشـكلة هـي ثقافـة‪ ،‬علـى أ ّن هـذا يمكـن أن‬
                           ‫والحقائـق الاقتصاديـة؟‪.4‬‬             ‫يكون محل تسـاؤل‪ ،‬فالسـمات المختلفة يمكن ألا تشـكل‬
                                                                ‫ثقافـة متميـزة‪ ،2‬إذا كان لـكل جماعـة ثقافـة‪ ،‬وأي نشـاط‬
‫مـا الـذي يعنيـه التعـدد الثقافـي فـي غيـاب التعـدد‬             ‫يشـكل ثقافـة‪ ،‬فهـل هـذا يعنـي أن السـمات المختلفـة لا‬
‫الاقتصادي؟ لا يمكن الفصل بين التاريخ الثقافي والتاريخ‬           ‫يمكـن أن تشـكل ثقافـة متميـزة؟؟ وهـل هـذا يعنـي أن‬
‫السياسـي والاجتماعـي‪ ،‬فنهـوض النازيـة فـي الثلاثينيـات‬
‫ونشـوب الحـرب البـاردة فـي الخمسـينيات قـد أثـ ار علـى‬                      ‫التعدديـة تلغـي الخصوصيـة أم تؤكدهـا؟‬
‫مصيـر فكـرة التعـدد‪ ،‬فقـد صعـدت هـذه الأحـداث بالتعـدد‬
‫إلـى السـطح مـن حيـث هـي نقيـض لمصطلـح جديـد‪،‬‬                   ‫يـرى جاكوبـي أنـه مـا لـم نضـع فـي الاعتبـار مـا يميـز‬
‫وربمـا حقيقـة جديـدة‪ :‬الشـمولية أو الكليـة‪ ،‬لقـد أصبحـت‬         ‫ثقافـة عـن أخـرى‪ ،‬سـيهوي الحديـث عـن التعدديـة الثقافية‬
 ‫كلمتـا «شـمولي وشـمولية ‪TOTALITARIANISM‬‬                        ‫إلـى مهـاوي الخ ارفـات والأوهـام‪ ،‬وإذا كّنـا لا نسـتطيع أن‬
‫للدلالـة علـى النازيـة الألمانيـة‪ ،‬والشـيوعية السـوفيتية”‪.5‬‬     ‫ُنحـدد مـا يميـز ثقافـة مـا‪ ،‬فكيـف يمكننـا أن نفهـم العلاقـة‬
‫حـول هـذا الوقـت ‪ 1941-1940‬أعـاد الم ارقبـون‬                    ‫بيـن ثقافتيـن أو أكثـر أو التعدديـة الثقافيـة؟ ولنضـع‬
‫اكتشـا َف التعـدد والتنـوع كجوهـر لليب ارليـة التـي تقـف‬        ‫الأمـر علـى وجهـه الصريـح‪ :‬إن التعدديـة الثقافيـة تقـوم‬
‫علـى نقيـض “الواحديـة” الصلبـة فـي النظـم النازيـة‬              ‫علـى أصـل ثقافـي‪ ،‬هـو الرفـض أو العجـز عـن تحديـد‬
‫والشـيوعية‪ ،‬واعتبـر البعـض أن معـاداة التعـدد‪ ،‬مبـدأ مـن‬
‫مبـادئ الـدول الشـمولية والواحديـة‪ ،‬فالتعـدد وهـو المبـدأ‬                                  ‫مـا الـذي يشـِّكل الثقافـة‪.3‬‬
‫الـذي يدافـع عنـه الليب ارليـون‪ ،‬ينفـي الطابـع ذاتـه الذييميـز‬
                                                                ‫لذلـك يـرى جاكوبـي أنـه فـي ظـل هـذه الهزيمـة‬
                                 ‫الدولـة الشـمولية‪.6‬‬            ‫النظريـة‪ ،‬اتسـمت الثقافـة بطابـع ذاتـي أو شـخصي‪،‬‬

‫(‪ )4‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص‪.55-54‬‬                                    ‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص‪.53،54‬‬
         ‫(‪ )5‬نهاية اليوتوبيا‪ ،‬ص‪.57‬‬                                      ‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.54‬‬

  ‫(‪ )6‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬                               ‫(‪ )3‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
                                     ‫‪35‬‬
   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40