Page 38 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 38

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                       ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫الغربيـة‪ ،‬واعتمـاده علـى أعمـال السـابقين مـن الغـرب‪،‬‬            ‫يخبرنا بما يجب فعله‪ .‬البقاء على اتصال مع مشاعرنا‬
‫يذكـر منهـم بندكـت اندرسـن‪ ،‬فـي كتابـه الجماعـات‬                 ‫الأخلاقيـة أمـر مهـم هنـا‪ ،‬كوسـيلة للتصـرف الصحيـح‪،‬‬
‫المتخيلـة‪ ،‬ويرغـن هابرمـاس‪ ،‬ومايـكل وارنـر‪ ،‬وبيـار‬               ‫إن مـا يسـميه تايلـور إ ازحـة اللهجـة الأخلاقيـة يعنـي أن‬
‫رو ازنفالـون‪ ،‬وغيرهـم ممـا يشـير إلـى أعمالهـم‪ ،3‬كمـا‬            ‫التواصـ َل مـع مشـاعرنا يصبـح ذا أهميـة أخلاقيـة مسـتقلة‬
‫يشـير أي ًضـا إلـى تاريـخ نظريـات القانـون الطبيعـي التـي‬        ‫وحاسـمة‪ ،‬يتعلـق الأمـر بشـيء يجـب أن نحققـه إذا أردنـا‬
‫ظهـرت فـي القـرن السـابع عشـر كاسـتجابة للإض اربـات‬              ‫أن نكون بشـًار حقيقيين وكاملين‪ ،‬والجديد هنا أن الآ ارء‬
‫المحليـة والدوليـة التـي كانـت سـببها الحـروب الدينيـة‪،‬‬          ‫الأخلاقيـة السـابقة‪ ،‬كانـت تـرى أن التواصـل يتـم مـع‬
‫إشـارة منـه إلـى الحـرب الطويلـة “‪”1598-1562‬‬                     ‫مصـدر مـا – علـى سـبيل المثـال – الله أو فكـرة الخيـر‬
‫بيـن الكاثوليـك والبروتسـتانت فـي فرنسـا‪ ،‬والتـي انتهـت‬
‫بتحـول الملـك البروتسـتانتي هنـري ال اربـع إلـى الكاثوليكية‬                          ‫تعتبـر ضروريـة لكامـل الوجـود‪.1‬‬
‫“مذهـب أكثريـة الفرنسـيين”‪ ،‬مـع ضمـان الحريـة الدينيـة‬
‫للبروتسـتانت‪ ،4‬يعالـج تايلـور موضوعـه مـن خـال‬                   ‫وفي كتابه “المتخيلات الاجتماعية الحديثة”‪Modern‬‬
‫الأفـكار التـي هيمنـت علـى الفكـر السياسـي الغربـي‪،‬‬              ‫‪ ،Social Imaginaries‬يعيـد تايلـور تاريـخ الحداثـة‬
‫وكذلـك الظـروف والأحـداث والحـروب التـي مـّر بهـا‬                ‫الغربيـة مقتفًيـا تطور”المتخيـل الاجتماعـي الغربـي‬
‫الغـرب‪ ،‬فـإذا كان المجتمـع السياسـي مكوًنـا مـن أعضـاء‬           ‫الحديـث”‪ ،‬و”النظـام الأخلاقـي” الـذي يقـف و ارءه‪ ،‬ذلـك‬
‫هـم كائنـات بشـرية‪ ،‬عناصـر اجتماعيـة عقلانيـة ُوجـدت‬             ‫النظـام القائـم علـى المنفعـة المتبادلـة بيـن مسـاهمين‬
‫لكـي تتعـاون مـن أجـل المنفعـة المشـتركة المتبادلـة فـي‬          ‫يقفـون علـى قـدم المسـاواة‪ ،‬يوضـح تايلـور مـا يتميـز‬
‫جـو مـن السـلم‪ ،‬إذن مـن شـأن هـذه النظـرة أن تطـرح‬               ‫بـه “المتخيـل الاجتماعـي الغربـي الحديـث” مـن أشـكال‬
‫فكـرة النظـام الأخلاقـي لتحـدد الكيفيـة التـي يجـب أن‬            ‫ثقافيـة أساسـية هـي‪ :‬اقتصـاد السـوق والمجـال العـام‬
‫يعيـش فيـه المجتمـع م ًعـا وفًقـا لهـا؛ لذلـك يشـير تايلـور‬      ‫والحكـم الذاتـي‪ ،‬أي الشـعب الـذي يحكـم نفسـه بنفسـه‪،‬‬
                                                                 ‫يتناولهـا بإسـهاب ليقـدم إطـاًار شـاملاً وجلًّيـا لفهـم بنيـة‬
    ‫إلـى “النظريـة التعاقديـة” عنـد جـون لـوك وغيـره‪.‬‬            ‫الحيـاة الغربيـة الحديثـة وأشـكال الحداثـة المختلفـة التـي‬
                                                                 ‫اتخذتهـا‪ ،‬وهـو يعتـرف فـي مدخـل كتابـه‪“ :‬أن الثقافـات‬
‫لكـن هـل يحمـل النظـام الأخلاقـي المقـدم مـا يؤكـد‬               ‫الأخـرى غيـر الغربيـة قـد مارسـت الحداثـة بطريقتهـا‬
‫تحققـه؟ إن تايلـور يعتـرف بـأن مفهـوم النظـام الأخلاقـي‬          ‫الخاصـة‪ ،‬ولا سـبيل إلـى فهمهـا إن نحـن حاولنـا حبسـها‬
‫لا يحمـل أحياًنـا توق ًعـا فعلًّيـا لتحققـه الكامـل‪ ،5‬ممـا‬       ‫ضمـن نظريـة عامـة صممناهـا فـي الأصـل انطلاًقـا مـن‬
‫يؤكـد أن الفلاسـفة حيـن ُيقدمـون نظريـة فلسـفية‪ ،‬فهـي‬            ‫الحالـة الغربيـة”‪ ،2‬كل حديثـه كان عـن أشـكال المتخيـل‬
‫بطبيعتهـا معياريـة‪ ،‬وقـد تكـون يوتوبيـة؛ لذلـك نجـد‬              ‫الاجتماعـي الغربـي الـذي وسـمت نهـوض الحداثـة‬
‫تايلـور يتحـدث عـن النظـام الـذي يقدمـه‪ ،‬أو قدمـه‬                ‫الغربيـة‪ ،‬وكثيـًار مـا يذكـر مصطلـح الحداثـة الغربيـة‪،‬‬
‫غيـره مـن الفلاسـفة مـن قبلـه‪ ،‬بأنـه “نظـام معيـاري”‪،‬‬            ‫وتعريفاتـه التـي هـي‪ ،‬كمـا يقـول‪ :‬أكثـر قرًبـا للخصوصيـة‬

              ‫(‪ )3‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.12‬‬                            ‫‪)1( 1Ibid., p.,28.‬‬
‫(‪ )4‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ ،13‬هامش المترجم‪.‬‬                            ‫(‪ )2‬تشـارلز تايلـر‪ ،‬المتخيـات الاجتماعيـة الحديثـة‪ ،‬ترجمـة‬
                                                                 ‫الحـارث النبهـان‪ ،‬م ارجعـة‪ :‬ثائـر ديـب‪ ،‬المركـز العربـي للأبحـاث‬
‫ود ارسـة السياسـات‪ ،‬ط أولـى‪ ،‬بيـروت‪ ،‬مـارس ‪ ،2015‬ص ‪ )5( .11‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.16‬‬

                                                             ‫‪38‬‬
   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43