Page 33 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 33

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                       ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫– الدولـة الحضاريـة لحضـارة جديـدة وكونيـة ‪ -‬الحضـارة التعدديـة الثقافيـة”‪ ،‬فـي كتابـه‪ :‬نهايـة اليوتوبيـا‪ :‬هـل‬

‫الكوكبيـة الحديثـة‪ ،‬إلا أن آخريـن (لا سـيما منتسـبي أدت هجـرة جديـدة متنوعـة إلـى ضـرورة الإقـ ارر بالتنـوع‬

‫النخبتيـن السياسـية و الدينيـة فـي الحضـا ارت الأخـرى الثقافـي؟ هـل أصبحـت الجماعـات الثقافيـة أكثـر ثقـة‬

‫ويقيًنـا والأمريكيـون أكثـَر ميـاً إلـى السـماحة والليب ارليـة‬   ‫القديمـة التـي يطلـق عليهـا حضـا ارت العصـر المحـوري)‬
‫والعالميـة؟ هـل الحفـاوة بالتعدديـة الثقافيـة حكايـة نجـاح‬
                                                                 ‫يـرون الولايـات المتحـدة دولـة عظمـى حًقـا‪ ،‬لكنهـا ليسـت‬
‫مطـرد‪ ،‬وحماسـة مت ازيـدة لأمريـكا أكثـر تنو ًعـا؟ أو‬             ‫دولة حضارية‪ ،‬بل ي ارها كثيرون من هؤلاء دولة معادية‬
‫أن الأمـر – كمـا يعتقـد ناثـان جـازر – جـاء نتيجـة‬
                                                                 ‫للحضـارة‪ ،‬دولـة بـا حضـارة حقيقيـة‪ ،‬مسـ ًخا مخيًفـا‪،‬‬
‫الإخفـاق فـي ضـم قسـم أكبـر مـن السـود إلـى المجتمـع‬             ‫دولـة وثنيـة معاديـة لأي حضـا ارت حقيقيـة‪ ،‬شـبيهة بتلـك‬

‫المشـترك؟ يـرى جاكوبـي أن جانًبـا مه ًّمـا مـن الحكايـة‬                                         ‫التـي ينتمـون إليهـا‪.1‬‬
‫مـا يـ ازل ناق ًصـا وهـو أن التعدديـة الثقافيـة تقـوم أي ًضـا‬
‫بسـد ثغـرة فاغـرة‪ ،‬فالليب ارليـون واليسـاريون‪ ،‬وقـد ُجـردوا‬      ‫لذلـك يلجـأ ويـل كيمليـكا لتبريـر صياغـة معاييـر‬
‫مـن اللغـة ال ارديكاليـة‪ ،‬والأمـل اليوتوبـي‪ ،‬ت ارجعـوا باسـم‬     ‫وآليات رقابية جديدة إلى الُبعد الأخلاقي ليجعل الدفاع‬
‫أنهـم يتقدمـون للاحتفـال بالتنـوع‪ ،‬ولأن لديهـم أفـكاًار قليلـة‬   ‫عـن التنـوع الثقافـي هـو أمـر أخلاقـي لازم ولا ينفصـل‬
‫حـول الكيفيـة التـي يتشـكل بهـا المسـتقبل‪ ،‬فقـد احتضنـوا‬         ‫عـن الك ارمـة الإنسـانية‪ ،‬وهـو يتضمـن الت ازًمـا بحقـوق‬
‫كل الأفـكار‪ ،‬ومـن ثـم يصبـح التعـدد هـو السـلة التـي‬             ‫الإنسـان‪ 2‬والحريـات الأساسـية‪ ،‬لا سـيما الحقـوق التـي‬
‫تحـوي كل شـيء‪ ،‬بدايـة الفكـر السياسـي ونهايتـه‪ ،‬وحيـن‬            ‫تخـص الأقليـات والسـكان الأصلييـن‪ ،‬والحقـوق الثقافيـة‬
‫يلبـس ثيـاب التعدديـة الثقافيـة‪ ،‬يصبـح أفيـون المثقفيـن‬          ‫هـي جـزء متكامـل مـع حقـوق الإنسـان‪ ،‬التـي هـي عامـة‬
                                                                 ‫وشـاملة ولا يمكن أن تنقسـم وذات اعتماد متبادل‪ ،‬فوفًقا‬
      ‫الواهميـن‪ ،‬أيديولوجيـة عصـر بـا أيديولوجيـة‪.4‬‬              ‫لليونسـكو‪ ،‬حقـوق الأقليـات هـي جانـب أساسـي مـن‬

‫لمـاذا يـرى جاكوبـي أن التعدديـة الثقافيـة لا تعنـي‬              ‫حقـوق الإنسـان‪“ ،‬اليونسـكو‪ ،‬الإعـان العالمـي حـول‬

‫رؤيـة مـا؟ وأن صعـود التعدديـة الثقافيـة يرتبـط بانهيـار‬         ‫التنـوع الثقافـي ‪.3”2001‬‬

‫لكـن لا بـد مـن أن نعـرض الـ أري الـذي يقـول بـ”خ ارفـة اليوتوبيـا؟ وإنـه مؤشـر علـى إنهـاك الفكـر السياسـي؟‪.5‬‬

‫يقـول جاكوبـي‪ :‬المسـألة ليسـت التعدديـة الثقافيـة‬                       ‫التعدديـة الثقافية”‪.‬‬
‫ذاتهـا‪ ،‬فأفـكار التنـوع (وأقاربهـا‪ :‬التعدديـة والاختـاف‬          ‫خ ارفة التعددية الثقافية‬

‫والكثـرة الثقافيـة والتعدديـة الثقافيـة) ليسـت أفـكاًار خاطئـة‪،‬‬  ‫يتسـاءل ارسـل جاكوبـي‪ ،‬فـي فصـل بعنـوان‪“ :‬خ ارفـة‬
‫ولا هـي محـل اعتـ ارض‪ ،‬علـى العكـس‪ ،‬إنهـا أفـكاٌر‬
‫صحيحـة وذات جاذبيـة‪ ،‬والاختـاف والتنـوع يميـ ازن‬                              ‫(‪ )1‬الحضا ارت في السياسة العالمية‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫العوالـم الطبيعيـة والفيزيقيـة والثقافيـة‪ ،‬ونحـن نبتهـج‬          ‫(‪ )2‬عن مشكلة حقوق الإنسان بين الأفكار المعيارية والممارسة‬
‫للاختلافـات أكثـر مـن التماثـل‪ ،‬ومعظـم النـاس – وربمـا‬           ‫السياسـية‪ ،‬وكيـف نشـأت الفكـرة‪ ،‬وكيـف تطـورت وأصبحـت مبـدأ‬
                                                                 ‫تدعمـه مؤسسـات عالميـة الطابـع‪ ،‬وكيـف تمثـل أحـد أسـلحة‬
    ‫‪ 4‬ارسل جاكوبي‪ ،‬نهاية اليوتوبيا‪ ،‬السياسة والثقافة في زمن‬      ‫الصـ ارع الاجتماعـي محلًّيـا وعالمًّيـا‪ ،‬والتحديـات التـي تواجـه أي‬
    ‫اللامبالاة‪ ،‬ترجمة‪ :‬فاروق عبد القادر‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬العدد‬     ‫نظريـة عـن حقـوق الإنسـان‪ ،‬ي ارجـع فـي ذلـك‪ :‬تشـارلز آر‪ .‬بيتـز‪،‬‬
                                                                 ‫فكـرة حقـوق الإنسـان‪ ،‬ترجمـة شـوقي جـال‪ ،‬عالـم المعرفـة‪،‬‬
                            ‫(‪ ،)269‬مايو‪ ،2001 ،‬ص‪.47‬‬
                                                                                     ‫الكويـت‪ ،‬العـدد (‪ ،)421‬فب اريـر ‪.2015‬‬

‫(‪ )5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.48‬‬                                          ‫(‪ )3‬ويل كيمليكا‪ :‬أوديسا التعددية الثقافية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.67‬‬
                            ‫‪33‬‬
   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38