Page 28 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 28

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                     ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫الإصـاح البروتسـتانتية‪ ،‬غيـر أن هـذه البروتسـتانتية‬            ‫الأمريكيـة‪ ،‬وفـي الحقبـة الممتـدة مـن سـتينيات القـرن‬
‫المعلمنـة هـي بروتسـتانتية دون إلـه‪ ،‬عمليـة إعـادة‬             ‫العشـرين وتسـعينياته‪ ،‬مـع تـ ارث حركـة الحقـوق المدنيـة‬
                                                               ‫وصعـود الحركـة النسـوية‪ ،‬أقدمـت النخـب علـى اختيـار‬
‫تشـكيل وإصـاح لجميـع الأشـكال‪ ،‬إنهـا تمثـل رف ًضـا‬             ‫التعدديـة الثقافيـة متمثلـة فـي تطـور تركيبـة أيديولوجيـة‬
‫لجميـع أديـان العصـر المحـوري وحضا ارتـه‪ ،‬لعلهـا‪،‬‬              ‫فـي عقـول هـذه النخـب هـي أيديولوجيـة حقـوق الإنسـان‬
                                                               ‫الكونيـة الشـاملة‪ ،‬مثلـت هـذه الأيديولوجيـة تحـولاً أو‬
‫وهـي العاكفـة علـى الركـض و ارء أهـداف مباشـرة‬                 ‫انقلاًبـا أمريكًّيـا آخـر‪ ،‬وكان مـن شـأنها أن توفـر جملـة‬

‫ودنيويـة مبتذلـة‪ ،‬شـبيهة فعـاً بعبـادة مـا قبـل العصـر‬                ‫العناصـر الأساسـية لحضـارة كوكبيـة جديـدة‪.1‬‬
‫المحـوري للأصنـام القريبـة والمبتذلـة ممـا يجعلهـا وثنيـة‬

                                  ‫مـن نـوع جديـد‪.3‬‬

‫تبقـى الغايـة القصـوى لهـذه البروتسـتانتية المعلمنـة‬           ‫صعـود مقولـة حقـوق الإنسـان الكونيـة الشـاملة‪ ،‬التـي‬

‫بـات ُينظـر إليهـا علـى أنهـا حقـوق الأفـ ارد‪ ،‬والحقـوق متمثلـة بتعزيـز تصورهـا الخـاص لحقـوق الإنسـان‬
‫الفرديـة هـذه مسـتقلة عـن أي ت ارتبيـة أو ألفـة جماعيـة‪ ،‬الكونيـة الشـاملة‪ ،‬غيـر أن جملـة مـن العقبـات وقفـت فـي‬

‫أي تقاليـد أو أعـ ارف‪ ،‬يمكـن لهـذا الشـخص أو ذاك طريـق التنفيـذ الكامـل لهـذا المشـروع خـال سـني الحـرب‬

‫أن يكـون منتسـًبا إلـى بيئتهـا‪ ،‬وهـذا يعنـي أن حقـوق البـاردة‪ ،‬فطـوال بقـاء الولايـات المتحـدة منخرطـة فـي‬
‫الإنسـان قابلـة للتطبيـق علـى أي فـرد فـي أي مـكان فـي صـ ارع ثنائـي كبيـر مـع الاتحـاد السـوفيتي والأيديولوجيـة‬

‫العالـم‪ ،‬بمعنـى أنهـا كونيـة شـاملة‪ ،‬لا طائفيـة وقوميـة‪ ،‬الشـيوعية‪ ،‬تعيـن عليهـا – علـى الولايـات المتحـدة – أن‬

‫تُبـدي احت ارًمـا وتقـدم تنـا لزات معينـة لجملـة خصوصيـات‬                            ‫أو حضاريـة مجـردة وحسـب‪.‬‬
‫ظواهـر الت ارتبيـة‪ ،‬الطائفيـة والتقاليـد‪ ،‬والأعـ ارف فـي‬
‫البلـدان التـي كانـت بحاجـة إلـى تحالفاتهـا‪ ،‬ويـرى جيمـس‬       ‫وتصـل النزعـة الفرديـة إلـى قلـب جميـع مناحـي‬
‫كـورث أن هـذه التنـا لزات كثيـًار مـا كانـت أشـكالاً مـن‬       ‫المجتمع‪ ،‬إنها فلسـفة شـاملة كلية‪ ،‬ومثلها مثل الشـمولية‬
‫الانحـ ارف عـن الخـط الأمريكـي الطبيعـي القائـم علـى‬           ‫الأصليـة للدولـة‪ ،‬تتصـف النزعـة الفرديـة بالصلابـة التـي‬
‫تعزيـز مبـادئ حريـة التجـارة والديمق ارطيـة الليب ارليـة‪،‬‬      ‫لا تعـرف معنـى الشـفقة علـى صعيـد تحطيـم جملـة‬
‫إلا أن انهيـاَر الاتحـاد السـوفيتي سـرعان مـا أدى إلـى‬         ‫الهيئـات المتوسـطة والمؤسسـات الوسـيطة التـي تقـف‬
‫إ ازلـة جـزٍء كبيـر مـن عنصـر الاضطـ ارر إلـى مثـل هـذه‬        ‫بين الفرد وأعلى السـلطات أو أوسـع القوى‪ ،‬مع شـمولية‬
                                                               ‫الدولـة تكـون السـلطات العليـا متمثلـة بمرجعيـات الدولـة‬
                            ‫المسـاومات والتنـا لزات‪.‬‬           ‫القوميـة‪ ،‬أمـا مـع أيديولوجيـا النزعـة الفرديـة‪ ،‬فتبقى أوسـع‬

‫فـي الوقـت نفسـه مـا لبـث انتشـار الاقتصـاد الكوكبـي‬           ‫القـوى متجسـدة بهيئـات الاقتصـاد الكوكبـي ووكالاتـه‪.2‬‬

‫وظاهـرة التنافـس بيـن الحكومـات القوميـة ‪ -‬الوطنيـة‬            ‫تمثـل النزعـة الفرديـة باحتكارهـا لسـائر الت ارتبـات‬
‫فـي مجـال تحريـر اقتصاداتهـا‪ ،‬بغيـة اجتـذاب الرسـاميل‬          ‫الهرميـة وأشـكال الألفـة الجماعيـة والتقاليـد والأعـ ارف‬
‫الأجنبيـة‪ ،‬أن أفضـى إلـى إضفـاء الشـرعية علـى‬                  ‫وتمردهـا عليهـا‪ ،‬تمثـل النتيجـة المنطقيـة والتطـرف‬
                                                               ‫الأقصـى لعلمنـة البروتسـتانتية الإصلاحيـة وحركـة‬
                                   ‫الأسـواق الحـرة‪.‬‬

‫باتـت الولايـات المتحـدة قـادرة الآن علـى نبـذ التحفـظ‬         ‫(‪)1‬المرجع السابق‪ ،‬الحضا ارت في السياسة العالمية‪ ،‬ص‪.106‬‬

‫(‪ )3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.108‬‬                                       ‫(‪ )2‬الحضا ارت في السياسة العالمية‪ ،‬ص ص‪.108-107‬‬

                                                           ‫‪28‬‬
   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33