Page 27 - مجلة تنوير - العدد الرابع

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫سـيما تلـك المنخرطـة فـي السياسـة والأعمـال والبحـوث‬ ‫فالنفـوذ المتنامـي للولايـات المتحـدة – متبو ًعـا خـال‬
‫الأكاديميـة والإعـام‪ ،‬قـد كفـت عـن التفكيـر فـي أمريـكا‬ ‫الحربيـن العالميتيـن بجبروتهـا المتعاظـم –أدى إلـى نشـر‬
‫قائـدة‪ ،‬بـل حتـى عضـًوا فـي نـادي الحضـارة الغربيـة‪،‬‬ ‫أفـكار العقيـدة الأمريكيـة شـرًقا فـي أوروبـا الغربيـة أولاً‪،‬‬
‫وإلـى حـد كبيـر لـم تعـد الحضـارة الغربيـة تعنـي شـيًئا‬ ‫وأجـ ازء مـن أوروبـا الوسـطى بعـد ذلـك‪ ،‬وحيـن جـاءت‬
‫الولايـات المتحـدة إلـى أوروبـا خـال النصـف الأول مـن‬
‫بنظـر هـذه النخـب‪.‬‬ ‫القـرن العشـرين‪ ،‬تمخـض التـ ازوج بيـن الطاقـة الأمريكيـة‬
‫الجديـدة والتخيـات الأوروبيـة القديمـة عـن إكسـاب‬
‫حًقـا‪ ،‬بـات ُينظـر إلـى الحضـارة الغربيـة فـي الأوسـاط‬ ‫التصـور الأمريكـي للحضـارة الغربيـة قـوة مـن ناحيـة‬
‫الأكاديميـة علـى أنهـا صيغـة مـن صيـغ الهيمنـة القمعيـة‬ ‫ومشـروعية من ناحية ثانية‪ ،‬في أمريكا كما في أوروبا‪،‬‬
‫الظالمـة التـي يجـب الإطاحـة بهـا‪ ،‬بـدلاً مـن ذلـك‪ ،‬كانـت‬ ‫وهـذه القـوة سـاعدت الولايـات المتحـدة ‪ ،‬ومكنتهـا مـن‬
‫هـذه النخـب الأمريكيـة قـد بـدأت تـرى أمريـكا مجتم ًعـا‬ ‫كسـب الحـرب العالميـة الثانيـة ضـد ألمانيـا الاشـت اركية‬
‫متعـدد الثقافـات‪ ،‬مجتم ًعـا حاضًنـا لجماعـات ذات شـأن‬ ‫القوميـة والحـرب البـاردة ضـد الاتحـاد السـوفيتي‪ ،‬كمـا‬
‫مـن الأمريكييـن والأفارقـة‪ ،‬مـن الأمريكييـن ‪ -‬اللاتيـن‪،‬‬ ‫سـاعدتها هـذه المشـروعية فـي تنظيـم السـام الطويـل‬
‫ومـن الأمريكييـن ‪ -‬الآسـيويين‪ .‬الأكثريـة ال ارجحـة مـن‬ ‫داخـل أوروبـا الغربيـة الـذي كان شـديد التشـابك مـع تلـك‬
‫الجماعتيـن الأخيرتيـن كانـت مؤلفـة مـن مهاجريـن جـدد‬
‫أو أولادهـم‪ ،‬نتيجـة الانفتـاح الجديـد الـذي وفـره قانـون‬ ‫الحـرب البـاردة‪.1‬‬
‫الهجـرة لعـام ‪ ،1965‬وبالطبـع ثقافـات هـذه الجماعـات‬
‫كانت مسـتمدة من جملة الحضا ارت الأفريقية واللاتينية‬ ‫فـي ظـل الولايـات المتحـدة‪ ،‬عـاش تصـور الحضـارة‬
‫والأمريكيـة والصينيـة والهنديـة والإسـامية‪ ،‬بـدلاً مـن‬ ‫الغربية نو ًعا من العصر البطولي ‪ -‬الملحمي منتصف‬
‫الحضـارة الغربيـة‪ ،‬وكان مـن شـأن أي تأكيـد نخبـوي‬ ‫القـرن العشـرين‪ ،‬وأصبـح الغـرب متمت ًعـا بدولـة حضاريـة‬
‫للحضـارة الغربيـة أن يأتـي منطوًيـا علـى اسـتبعادها أو‬ ‫مركزية موحدة في ظل الولايات المتحدة‪ ،‬وخلال الحقبة‬
‫استعدائها‪ ،‬وإذا كان لا بد من مناقشة الحضارة بالمطلق‬ ‫الأمريكيـة‪ ،‬تمـت إعـادة بنـاء أوروبـا الغربيـة فـي إطـار‬
‫فقـد تعيـن عليهـا أن تكـون حضـارة اسـتيعابية شـاملة أو‬ ‫منظمـة معاهـدة شـمال الأطلسـي (الناتـو) والجماعـة‬
‫حاضنـة‪ ،‬حضـارة واضحـة الاسـتيعاب لجملـة الثقافـات‬ ‫الاقتصاديـة الأوربيـة‪ ،‬مـع حـدوث العديـد مـن التحـولات‬
‫الغربيـة التـي باتـت موجـودة فـي الولايـات المتحـدة‪ ،‬وهـذه‬ ‫التـي كانـت نابعـة ومعـززة مـن الولايـات المتحـدة‪ ،‬أدت‬
‫الثقافـات كانـت آتيـة مـن سـائر أرجـاء كوكـب الأرض‪،‬‬ ‫هـذه التحـولات إلـى إحـال حضـارة كوكبيـة جديـدة محـل‬
‫مما أدى إلى جعل المرشـحة الحضارية الأكثر ملاءمة‬ ‫الحضـارة الغربيـة‪ ،‬وبالتالـي صعـدت أيدولوجيـا التعدديـة‬
‫الثقافيـة‪ ،‬كان ثمـة نـوع مـن التحـول الأمريكـي مـن‬
‫هـي حضـارة كوكبيـة‪.2‬‬ ‫أيديولوجيـا حضـارة غربيـة إلـى أيديولوجيـا مجتمـع متعـدد‬
‫الثقافـات‪ ،‬فمـع حلـول تسـعينيات القـرن العشـرين – إن‬
‫وكان علـى النخـب الأمريكيـة أن تقـوم بحـ ّل مشـكلة‬ ‫لـم يكـن مـن قبـل – كانـت نخـب الولايـات المتحـدة – ولا‬
‫المجتمـع متعـدد الأعـ ارق‪ ،‬وذلـك باعتمـاد خطـة إذابـ ٍة‬
‫وتمثل فعالة قائمة على ركيزتي مشروع الأمركة والعقيدة‬

‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ ،‬الحضا ارت في السياسة العالمية‪ ،‬ص‬ ‫الثاني‪ ،‬ص‪.101‬‬
‫ص‪.105-103‬‬ ‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.102‬‬
‫‪27‬‬