Page 29 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 29
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
والحـرج أو التـردد علـى صعيـد السـير قد ًمـا علـى طريـق تميـزت باعتنـاق سلسـلة خاصـة (وغريبـة أو شـاذة مـن
تنفيـذ مشـروعها العظيـم ولكـن القائـم علـى تصـور خـاص وجهـة نظـر حضـا ارت العصـر المحـوري أو مـا بقـي
لحقـوق الإنسـان الكونيـة الشـاملة ،وهـذا مـا أقدمـت علـى مـن بقاياهـا) مـن المعتقـدات الجوهريـة التـي تولـت
فعلـه بأسـاليب كثيـرة فـي ظـل إدارتـي كل مـن بيـل مهمـة خدمـة دينهـا هـي ،وهـذا الديـن لـم يعـد هـو الديـن
المسيحي ،بل كان دين التنوير ،الذي كان معادًيا للدين كلينتـون وجـورج دبليـو بـوش.1
المسـيحي ،لقـد تعـززت أيديولوجيـة مـا بعـد الحداثـة جـّارء
التقـدم الكبيـر الحاصـل فـي مجـال الاتصـالات نتيجـة وهكـذا أصبحنـا أمـام تصـور أمريكـي خـاص لحقـوق
الإنسـان الكونيـة الشـاملة ،وأصبحـت أمريـكا الجهـة
تكنولوجيـات الإنترنـت وعصـر المعلومـات.3 الرسـمية المبتكـرة للحضـارة الكوكبيـة الحديثـة ،وبـد ًءا
بسـتينيات القـرن العشـرين ،باشـرت الولايـات المتحـدة
وهكـذا أصبحـت الولايـات المتحـدة تنـادي بـ مواطنـة
نشـَر حضـارة الحداثـة هـذه إلـى مـا بعـد الغـرب نفسـه كوكبيـة وكونيـة ،لكـن أليسـت المواطنـة العالميـة
فـي بقيـة كوكـب الأرض ،ففـي سـتينيات القـرن العشـرين الكوكبيـة متعـددة الثقافـات التـي دعـت إليهـا الولايـات
كانـت شـبكة شـركات أمريكيـة متعـددة الجنسـيات المتحـدة جـاءت منبثقـة مـن ظروفهـا الخاصـة ،بوصفهـا
والقوميات أداة رئيسية لعملية النشر هذه ،في ثمانينيات أمـة متعـددة الثقافـات ،تشـمل العديـد مـن المهاجريـن
القـرن العشـرين حـ ّل عصـر المعلومـات ،هـذا العصـر مختلفـي الثقافـات ،السـود الذيـن قامـت باسـتجلابهم فـي
الـذي سـرعان مـا نجـح وبيسـر فـي إذاعـة ونشـر أفـكار عمليـات تهريـب كانـت أشـبه باسـتجلاب الحيوانـات،4
الحداثـة فـي طـول كوكـب الأرض وعرضـه أيديولوجًّيـا بـل وتضـم بقايـا مـن أصحـاب الأرض الأصلييـن الذيـن
وواقعًّيـا ،وفـي تسـعينيات القـرن العشـرين تـم لـم جملـة قامـت بإبادتهـم5؟!
منـذ متـى إذن ارتبطـت المواطنـة متعـددة الثقافـات هـذه العناصـر وإذابتهـا فـي بوتقـة الأيديولوجيـة الأمريكية
بمشـكلة الأقليـات؟ المهيبـة والمشـروع الأمريكـي الداعـي إلـى العولمـة.2
يقـول تومـاس هايلانـد إريكسـن« :تنامـت العرقيـة وهكـذا فـإن النخـب الأمريكيـة فـي مياديـن الأعمـال
والقوميـة وأشـكا ٌل أخـرى لسياسـات الهويـة مـن حيـث
الأهميـة السياسـية فـي العالـم بعـد الحـرب العالميـة والفكـر والبحـث الأكاديمـي العلمـي والإعـام كفـت عـن
الثانية ،ولا ت ازل مستمرة في القرن الحادي والعشرين»،6 أن تكـون غربيـة فـي تعريفهـا لذاتهـا ،بـل باتـت – بـدلاً
مـن ذلـك – كوكبيـة وكونيـة فـي أفكارهـا ومثلهـا العليـا،
( )3المرجع السابق ،ص.110
( )4فرنانـد بروديـل ،تاريـخ وقواعـد الحضـا ارت ،ترجمـة وتعليـق، مـا لبثـت نظرتهـا العالميـة أن أصبحـت شـاملة للعالـم
سـفير.د .حسـين شـريف ،الهيئـة المصريـة العامـة للكتـاب ،سـنة
فـي اتسـاعها (وعالميـة أي ًضـا مـن حيـث العمـق أو مـن
،1999ص.563 حيـث الافتقـار إلـى العمـق الروحـي بالأحـرى)؛ لـذا فـإن
الولايـات المتحـدة كانـت – مـع حلـول عقـد تسـعينيات
( )5لقـد اختفـى أو كاد أن يختفـي الهنـدي أول مـن اسـتعمره القـرن العشـرين – قـد أصبحـت الدولـة النـواة ،الدولـة
الرجـل الأبيـض ،فـي ص ارعـه مـع الأوربـي الأبيـض الدخيـل فـا الحضاريـة أو دولـة الحضـارة ،وهـذه الحضـارة الكوكبيـة
تجـده اليـوم إلا فـي المناطـق القليلـة المحتجـزة عنواًنـا علـى سـالة
( )1المرجع السابق ،ص.109-108
ازلـت (المرجـع السـابق ،الصفحـة نفسـها). ( )2المرجع السابق ،ص ص.110-109
( )6العرقيـة والقوميـة ،وجهـات نظـر أنثروبولوجيـة ،ترجمـة :د.
لاهـاي عبـد الحسـين ،عالـم المعرفـة ،)393( ،ص.9
29