Page 41 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 41

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                                    ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫هـو تعريـف معنـى الديـن فـي ضـوء التمييـز بيـن العالـم – وعنـد مؤلفـي “التعدديـة الثقافيـة” الذيـن يفترضـون أن‬

‫الطبيعـي‪ ،‬و”العالـم الآخـر أي التمييـز بيـن المحايـث بيـن الثقافـات ص ارعـات أساسـية‪ ،‬ويتفكـرون كيـف يمكـن‬

‫لليب ارليـة أن تُوفـق بيـن المطالـب المتعاديـة‪ ،4‬مـاذا قـال‬            ‫(الطبيعـة)‪ ،‬والمفـارق أو المتعالـي (العالـم الآخـر)”‪.‬‬
‫عـن تايلـور؟ لقـد عـرض – بإيجـاز – مفهـوَم الاعتـ ارف‬                  ‫هـذا التمييـز هـو اختـ ارع ثقافـي‪ ،‬وليـس معطـى فـي‬
‫بوصفـه “حاجـة إنسـانية حيويـة” تقـوم علـى أن الحيـاة‬                   ‫الطبيعـة البشـرية‪ ،‬وبالتالـي هـو مـن جهـد البشـر وكسـبهم‬

‫“ذات طابـع حـواري”‪ ،‬وأننـا نعّيـن أنفسـنا عـن طريـق‬                    ‫المنحـوت؛ ولذلـك فـإن السـؤال لا يتعلـق بطبيعـة الله‪ ،‬أو‬
‫الاتصـال بالآخريـن‪ ،‬ولسـوء الحـظ “فمـع قـدوم العصـر‬
‫الحديـث‪ ،‬أصبحـت “الحاجـة إلـى الاعتـ ارف” غالًبـا لا‬                   ‫بماهية الإيمان بحّد ذاته؛ بل بحاجة البشـر إلى تطوير‬
‫تلقـى الإشـباع‪ .‬و”الاعتـ ارف الخاطـئ” يتضمـن مـا هـو‬                   ‫أسـئلة تخصهـم حـول معنـى وجودهـم فـي العالـم والإجابـة‬

                                                                       ‫عنهـا علـى نحـو يرضـي غرورهـم الوجـودي؛ أي علـى‬

‫نحـو يسـاعدهم علـى بلـورة هويـة خاصـة‪ ،‬وبنـاء فهـم أكثـر مـن عـدم الاحتـ ارم”‪ ،‬فهـو يمكـن أن ُيحـدث ج ار ًحـا‬
‫خـاص لأنفسـهم‪ ،1‬إن تايلـور يتحـدث عـن هويـة خاصـة خطيـرة‪ ،‬ويثقـل ضحايـاه بك ارهيـة معوقـة للـذات‪ ،”..‬ثمـة‬

‫وثقافـة خاصـة‪ ،‬وفهـم خـاص فـي ظـل هـذه الثقافـة فهـو مـا هـو أسـوأ‪ ،‬فالليب ارليـة الكلاسـيكية تقيـم الاعتـ ارف‬

‫يتحـدث عـن الثقافـة الغربيـة اليهوديـة والمسـيحية‪ ،‬أي علـى أسـاس المسـاواة‪ ،‬وقـد حاولـت علـى الأقـل –‬

‫أنـه يقتصـر علـى الديانتيـن دون ذكـر الإسـام‪ ،‬ممـا دعـا ونجحـت أحياًنـا – أن تتجاهـل اختلافـات الطبقـة والنـوع‬
‫فتحـي المسـكيني إلـى القـول‪“ :‬مـن الإجحـاف اسـتبعاد والعنصـر‪ ،‬ولسـوء الحـظ‪ ،‬فـإن مبـدأ المسـاواة يتصـادم‬

‫وفكـرة جديـدة أو احتيا ًجـا جديـًدا هـو مـا يسـميه تايلـور‬                                     ‫الإسـام مـن هـذا المشـهد”‪.2‬‬
‫“سياسـات الاختـاف” التـي ُوضـع أساسـها فـي “عصـر‬
‫الأصالـة” الـذي يتحـدد تاريخـه بـد ًءا مـن روسـو وهـردر‪،‬‬               ‫فـي كتابـه المترجـم إلـى العربيـة‪“ :،‬منابـع الـذات‬
‫وعنـد تايلـور‪ ،‬فـإن الأصالـة هـي الفكـرة القائلـة “بـأن‬                ‫تكـّون الهويـة الحديثـة”‪3‬؛ هدفـه تقديـم أنطولوجيـا‬
‫هنـاك طريقـة معينـة كـي أكـون إنسـاًنا‪ ،‬هـي طريقتـي‬                    ‫أخلاقيـة بالتركيـز علـى المعنـى الأخلاقـي للهويـة‪،‬‬
‫“أنـا”‪ ،‬فأنـا مدعـو لأن أحيـا حياتـي بهـذه الطريقـة‪ ،‬ولكـي‬             ‫ولـن نقـف كثيـًار عنـد تحليـات تشـارلز تايلـور‪ ،‬بـل‬
‫أكـون صادًقـا مـع نفسـي فهـذا يعنـي أن أكـون صادًقـا‬                   ‫نشـير فقـط إلـى الفقـرة الأخيـرة التـي تؤكـد تحيـزه وعـدم‬
‫مـع أصولـي‪ ،...‬ويسـعى تايلـور إلـى عقـد مصالحـة بيـن‬                   ‫موضوعيتـه‪ ،‬حيـن حصـر منبـع الأخـاق فـي نظريـة‬
‫“الاعتـ ارف المتكافـئ” الـذي تهبـه الليب ارليـة الأساسـية‪،‬‬             ‫الأمـر الإلهـي فـي اليهوديـة والمسـيحية‪ ،‬وأعـرب عـن‬
‫والاعتـ ارف الخـاص الـذي تتطلبـه “الأصالـة” الكامنـة‬                   ‫هدفـه بقولـه‪ ...“ :‬الأمـل أ اره متضمًنـا فـي المذهـب‬

                            ‫و ارء التعدديـة الثقافيـة‪.5‬‬                               ‫التوحيـدي اليهـودي‪ -‬المسـيحي‪.”..‬‬

‫وقـد عّقـب جاكوبـي بتعليـق ينتقـد فيـه تايلـور‪ ،‬فيقـول‪:‬‬                ‫وقـد توقـف جاكوبـي عنـد تايلـور عنـد حديثـه عمـا‬
‫يبـدو تايلـور سـعيًدا وهـو يحفـر حـول المسـألة‪ :‬كيـف‬                   ‫أسـماه الأعمـال الحديثـة التـي تجسـد المفهومـات الواهنـة‬
‫يمكـن لليب ارليـة الكلاسـيكية القائمـة علـى المسـاواة أن‬               ‫والسياسات الجامدة للتعددية الثقافية الليب ارلية –في نظره‬

                                                                                               ‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬

‫(‪ )4‬ارسـل جاكوبـي‪ :‬نهايـة اليوتوبيـا‪ ،‬السياسـة والثقافـة فـي زمـن‬             ‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ ،‬هامش ‪ ،29‬ص‪.11‬‬
‫اللامبـالاة‪ ،‬ترجمـة‪ :‬فـاروق عبـد القـادر‪ ،‬عالـم المعرفـة (‪،)269‬‬
                                                                       ‫ترجمة‬  ‫التعكّوربينةالللهتويرجةمالة‪،‬حدتيوثزةي‪،‬ع‬  ‫(‪ )3‬تشارلز تايلر‪ ،‬منابع الذات‬
                                     ‫مايـو ‪ ،2001‬ص‪.73‬‬                  ‫مركز‬                                            ‫حيدر حاج إسماعيل‪ ،‬المنظمة‬
              ‫(‪ )5‬نهاية اليوتوبيا‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.74‬‬                        ‫د ارسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط أولى‪.2014 ،‬‬

                                                                   ‫‪41‬‬
   36   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46