Page 45 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 45

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                      ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫كيـف احتلـت أمريـكا العـ ارق‪ 1‬ونهبـت بتـرول وثـروات يفـرض نفسـه ومـاذا بعـد هـل نتـرك هـذه الأمـة بـكل‬

‫واحـدة مـن أغنـى الـدول العربيـة؟ وتسـللت إيـ ارن إلـى تاريخهـا وماضيهـا وحاضرهـا ومسـتقبلها لهـذا المصيـر‬

                                       ‫الغام ـض؟‪2‬‬               ‫الأ ارضـي الع ارقيـة‪ ،‬وقسـمت الشـعب الع ارقـي إلـى‬
                                                                ‫عقائـد وشـ ارئع؟ وتحولـت الدولـة الكبيـرة إلـى ملعـب‬
‫يخطـئ مـن يدعـي أن الإرهـاب ظاهـرة إسـامية وأن‬                  ‫لجيـوش ومؤامـ ارت الأعـداء مـا بيـن احتـال أمريكـي‬
‫المسـلمين هـم مصـدر الإرهـاب فـي العالـم؛ لأن الإسـام‬           ‫وغـزو إي ارنـي وضاعـت ثـروات الشـعب الع ارقـي؟ أيـن‬
‫لـم يشـارك فـي الحـرب العالميـة الثانيـة التـي دمـرت‬            ‫الوطـن السـوري أمـام جيـوش روسـية وإي ارنيـة وفرنسـية‬
‫أوروبـا والعالـم ومـات فيهـا ‪ 60‬مليـون ضحيـة‪ ،‬والفكـر‬           ‫وتركيـة وأمريكيـة ومـن كل لـون؟ وكيـف دخلـت كل‬
‫الإسلامي لم يكن و ارء احتلال الشعوب ونهب ثرواتها‪،‬‬               ‫هـذه الجيـوش الأ ارضـي السـورية ودمـرت المـدن ونهبـت‬
‫ولم يكن منت ًجا لأسـلحة الدمار الشـامل‪ ،‬وإذا رجعنا إلى‬
‫جـذور الظاهـرة فـإن القاعـدة لـم تكـن إنتا ًجـا إسـامًّيا؛‬                   ‫الثـروات وطـردت السـكان مـن بيوتهـم؟‬
‫بـل إنهـا صناعـة غربيـة قـد تكـون هنـاك أيـاد مشـبوهة‬
‫شـجعت عليهـا فـي العالـم العربـي‪ ،‬ولكنهـا خدمـت أط ارًفـا‬       ‫هـذه هـي الصـورة التـي وصلـت إليهـا الـدول العربيـة‪،‬‬
‫خارجيـة انتهـت بسـقوط البرجيـن واحتـال العـ ارق وتدمير‬          ‫وهـي الآن تقـف حائـرة أمـام حالـة مـن العجـز الكامـل‬
                                                                ‫بعـد أن تحولـت إلـى مقاطعـات ومناطـق نفـوذ للقـوات‬
         ‫أفغانسـتان وإشـعال الفتـن فـي الـدول العربيـة‪.‬‬         ‫والجيـوش الغازيـة‪ ،‬إن البيانـات لـم تعـد تكفـي ومؤتمـ ارت‬
                                                                ‫الشـجب والإدانـة لا تفيـد‪ ،‬والواقـع العربـي بـكل مـا فيـه‬

‫إن القاعـدة كانـت المدرسـة الأولـى للإرهـاب وهـي‬                ‫مـن مظاهـر الانهيـار والتفـكك والفوضـى غيـر قـادر‬

‫علـى مواجهـة كل هـذه العواصـف‪ ،‬والسـؤال الـذي صناعـة غربيـة وحتـى الآن لا يعـرف أحـد كيـف نشـأت‬

‫حشـود داعـش وقـد نجحـت فـي إسـقاط وتدميـر أكثـر مـن‬             ‫تي(نار‪1‬يـج)مرـُيةار‪9:‬جـ‪1‬معا‪0‬ل ـك‪2‬تكـ‪،‬ا وعلبيّـساـاومليـافجم‪،‬يمبـيـعارلسـيمب‪،‬يـالررميحعلتـرهفــيوة‪،‬وعالـلزيـكىروي ـاشلـفدتافـ‪،‬االاعلهاعاـلودتيـادةسـ(العن‪8‬و‪6‬عويـ‪4‬شـة)ر‪،،‬‬
‫دولـة عربيـة وفتحـت الأبـواب للقـوى الخارجيـة لاحتـال‬           ‫للولايـات المتحـدة فـي الفتـرة الممتـدة مـن فب اريـر ‪ 1994‬إلـى ينايـر‬
‫العالـم العربـي مـرة أخـرى‪ ،‬علـى أي أسـاس تنتقـل حشـود‬          ‫‪ .1997‬يتحدث في كتابه‪ ،‬رحلتي على شفا الهاوية النووية؛ في‬
‫داعـش مـا بيـن سـوريا والعـ ارق وليبيـا تحـت رعايـة تركيـة‬

‫وصمـت غربـي مريـب؟ إن هـذه الحمايـة تعنـي شـيًئا‬                ‫فصـل بعنوان»الإخفـاق فـي العـ ارق‪ :‬بيـن الماضـي والحاضـر»‪:‬‬
‫واحـًدا‪ ،‬أن هنـاك مـن يفكـر لهـذه الحشـود الإرهابيـة‬            ‫عـن غـزو أمريـكا للعـ ارق؛ حيـث كان مـن بيـن الأسـباب المعلنـة‬
                                                                ‫للغـزو الخطـر الوشـيك مـن وجـود أسـلحة الدمـار الشـامل‪ ،‬يقـول‬
                                                                ‫بيـري‪« :‬لقـد تبيـن فيمـا بعـد أنـه لـم يكـن لـدى العـ ارق آنـذاك‬
‫ويحمـي تواجدهـا ويطلـب منهـا تنفيـذ مـا يريـد‪ ،‬لـم تكـن‬         ‫برنامـج أسـلحة نوويـة» (ص‪ .)298‬كمـا أن مـن بيـن الأسـباب‬
‫القاعـدة صنيعـة فكـر بـل صنيعـة سياسـة‪ ،‬ولـم تكـن‬               ‫لغـزو العـ ارق هـو أنـه سـيحقق الاسـتق ارر فـي الشـرق الأوسـط مـن‬

‫داعـش ظاهـرة دينيـة بـل هـي ظاهـرة إرهابيـة تخريبيـة‬            ‫خـال إنشـاء حكومـة ديمق ارطيـة فـي العـ ارق‪( .‬المرجـع السـابق‪،‬‬
‫وجـدت مـن يحميهـا‪ ،‬إن السياسـة فـي أحيـان كثيـرة‬                ‫ص‪ )299‬وإني أتساءل‪ :‬هل كان هذا أملاً حقيقًّيا؟ يقول بيري‪:‬‬
                                                                ‫«لقـد أصبـح العـ ارق ممزًقـا بصـورة مت ازيـدة بسـبب الص ارعـات‬
                                                                ‫الدمويـة الدائـرة بيـن الفصائـل المختلفـة‪ ،‬والتـي انضمـت إليهـا‬
‫أسـاءت للأديـان‪ ،‬والشـيء المؤكـد أن الإسـام العقيـدة‬            ‫بصـورة انتهازيـة جماعـات عدوانيـة أخـرى‪ ،‬وهـي ص ارعـات يبـدو‬

‫أن حّلهـا شـبه مسـتحيل‪ ،‬علـى الأقـل فـي المـدى البعيـد‪ ،‬ويختـم يتعـرض لهجمـة شرسـة مـن خـال دوافـع سياسـية أبعـد‬
                                                                ‫بيـري الفصـل بقولـه‪« :‬الأمـر الأكيـد هـو أن المغامـرة الحمقـاء‬
‫مـا تكـون عـن منطلقـات الفكـر وسـماحة الأديـان‪ ،‬إن‬              ‫التـي قامـن بهـا أمريـكا فـي العـ ارق أفضـت إلـى كارثـة كبـرى‪،‬‬

‫وحتـى الآن لـم يتكشـف بعـد حجـم تلـك الكارثـة» (ص‪ )2( ،)304‬فـاروق جويـدة‪ :‬مقـال‪« :‬الشـعوب العربيـة بيـن الاحتـال‬
‫بالطبـع الـذي يدفـع ثمـن الكارثـة التـي لا نعلـم حجمهـا ليـس شـعب والإرهـاب»‪ ،‬فـي جريـدة الأهـ ارم‪ ،‬عـدد الجمعـة ‪ 17‬ينايـر‬
‫‪ .2020‬هوامـش حـرة‪ ،‬ص‪.13‬‬                                         ‫العـ ارق وحدهـم‪ ،‬بـل نحـن العـرب جمي ًعـا‪.‬‬

                                                            ‫‪45‬‬
   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50