Page 33 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الآيفون
P. 33

‫المجلس‬                        ‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬  ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

        ‫مجلــــــــــــــــة‬

        ‫وأنهمـا لـم يقصـ ار مجـال النقـد الأدبـي علـى الجانـب‬             ‫للأدب تختلف عن الرؤية التي كانت سائدة	‬

        ‫والتـي كان يغلـب عليهـا الطابـع الانطباعـي الذوقـي النقـدي الأدبـي فحسـب‪ ،‬وإنمـا تجـاو از ذلـك ليتضمـن‬

        ‫نقـد الجوانـب الاجتماعيـة والسياسـَّية‪ .‬إنـه نقـد يعبـر‬           ‫من ناحية أو الطابع الكلاسيكي التقريري من ناحية‬
        ‫عن الإيديولوجيا الماركسية‪ ،‬وهو الأمر الذي فطن‬                     ‫أخـرى‪ .‬فلـم يقصـدا ‪ -‬فـي حقيقـة الأمـر – أبعـَد‬
        ‫إليـه العقـاد فخـرج عـن مناقشـة المقـال فـي سـاحة‬                 ‫مـن تحديـد الدلالـة الاجتماعيـة لـأدب (لا الدلالـة‬

        ‫النقـد الأدبـي إلـى السـاحة الإيديولوجيـة مباشـرة‪،‬‬                ‫البيئيـة كمـا كان شـائ ًعا آنـذاك) فـي ارتبـاط عضـوي‬
                 ‫وهـو الأمـر الـذي أشـار إليـه الرفيقـان(((‪.‬‬              ‫حميـم مـع بنيتـه التـي تصوغـه أدًبـا‪ .‬ولكـن سـرعان‬
                                                                          ‫مـا اعتبـر هـذا المقـال «بياًنـا» أو «مانفيسـتو» أديًبـا‬
        ‫وشـاءت الظـروف أن تجمـع مقـالات الرفيقـان‬                         ‫جديـًدا‪ ،‬وتفجـرت حولـه معركـة أدبيـة حـادة علـى‬
        ‫فـي كتـاب بواسـطة الناقـد اللبنانـي محمـد إب ارهيـم‬               ‫صفحـات الصحـف المصريـة عندمـا اتهـم الدكتـور‬
        ‫دكـروب‪ ،‬ويقـدم لـه حسـين مـروة لتتحـول المقالـة‬                   ‫طـه حسـين مقـال محمـود أميـن العاِلـم بأنـه «يونانـي‬
        ‫إلـى كتـاب يحمـل رؤيـة متكاملـة فـي النقـد الأدبـي‬
        ‫العربـي المعاصـر جمعـت بيـن الجانـب النظـري‬                       ‫لا ُيقـ أر»‪ ،‬وعندمـا خـرج اتهـام الأسـتاذ العقـاد لمؤلفـي‬
        ‫والتطبيقـي م ًعـا‪ .‬ومـا إن صـدر الكتـاب حتـى‬                      ‫الكتـاب عـن حـدود النقـد الأدبـي إلـى حـدود الإدانـة‬
        ‫أثـار العديـد مـن ردود الفعـل المتباينـة حولـه ومـا‬
        ‫ازل يثيرهـا حتـى اليـوم‪ ،‬فقـد كتـب كمـال يوسـف‬                    ‫البوليسية بقوله في رده عليهما‪« :‬إنني لا أناقشهما‬
                                                                                     ‫وإنمـا أضبطهمـا‪ ،‬إنهمـا شـيوعان»(((‪.‬‬

        ‫بمجلـة الرسـالة الجديـدة مقـالاً عقـب صـدور الكتـاب‬               ‫والحقيقـة أن اتهامـات الأسـتاذ والعميـد لـم تكـن‬
        ‫وتحديـًدا فـي عـام ‪ 1956‬بعنـوان «نقادنـا الواقعيـون‬               ‫منصفـة؛ فلـم يكـن مـا قدمـه الرفيقـان بـه لبـس أو‬
        ‫غيـر واقعييـن» اتهـم فيـه الكتـاب بأنـه يمـزق الجبهـة‬             ‫غمـوض يمنـع وضوحـه وبيانـه حسـب اتهـام العميـد‪،‬‬
                                                                          ‫ولـم تكـن القضيـة قضيـة شـيوعية أو غيـر شـيوعية‬
        ‫الأدبيـة ويجـرح الأدبـاء ويسـتفزه‪ .‬وأَّنـه يكثـر مـن‬

        ‫الاسـتفادة مـن الأمثلـة الأجنبيـة فـي نقـده بـدلاً مـن‬            ‫إذ لـم ُيخـف الكاتبـان انتماءهمـا للفكـر الماركسـي‬
        ‫الاسـتناد إلـى التـ ارث القومـي والشـعبي‪ .‬وأنـه يعانـي‬            ‫قـط‪ .‬بـل إنهمـا سـعيا إلـى تنظيـر جديـد لظواهـر‬

        ‫فـي النقـد والإبـداع الأدبـي كانـت تتجلـى وتنمـو الغمـوض والالتبـاس لذلـك فهـو غيـر موجـه للشـعب‪.‬‬

        ‫كمـا كان النقـد الأكثـر أهميـة الـذي ُوجـه للكتـاب‬                ‫وتتعاظـم منـذ الأربعينيـات‪ .‬إن مـا كتبـه الرفيقـان‬
        ‫ومـا ازل مثـاًار حتـى اليـوم هـو مـا ُو ِجـه لتلـك الثنائيـة‬      ‫كان بمثابـة مرحلـة جديـدة تخطـو بالنقـد خطـوة أبعـد‬
        ‫التـي تبناهـا الكتـاب بيـن الشـكل والمضمـون‪،‬‬                      ‫مـن «الديـوان» للعقـاد والمازنـي‪ ،‬ومـن «الغربـال»‬

        ‫لميخائيـل نعيمـة‪ .‬ولا شـك أن هاتيـن المدرسـتين فالنـص الأدبـي لا يعـرف هـذه الثنائيـة فليـس ثمـة‬

        ‫سـوى عمـل أدبـي واحـد لا تمييـز فيـه بيـن شـكل‬                    ‫كانتـا تعبـ ارن عـن مظاهـر تجديديـة فـي بنيـة الأدب‬
        ‫ومضمـون‪ .‬كمـا ُو ِجـه للكتـاب نقـًدا جديـًار بالذكـر‬              ‫وأسـاليبه وفـي دلالاتـه وتجاربـه‪ ،‬وهـي مـا يمكـن‬
        ‫وهـو أنـه يسـعى لتغليـب الجانـب الاجتماعـي فـي‬
                                                                             ‫تسـميته بـأدب الوجـدان أو التيـار الرومانسـي‪.‬‬

        ‫النقـد الأدبـي علـى الجانـب الفنـي والجمالـي‪ ،‬بـل‬                 ‫إن أهـم مـا قدمـه الرفيقـان فـي نقدهمـا الأدبـي‬
        ‫هـو عنـد البعـض طمـس وإلغـاء للجانـب الجمالـي‬                     ‫أنهما استخدما منه ًجا جديًدا كان بمثابة أيديولوجية‬
        ‫وتحويل النقد الأدبي إلى نقد اجتماعي للأدب‪ .‬وأن‬                    ‫كاشـفة للأيديولوجيـا الكامنـة وغيـر المرئيـة للنـص‪.‬‬

                              ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬                    ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.16‬‬

                                                                      ‫‪33‬‬
   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38