Page 34 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الآيفون
P. 34

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                   ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

                                                                                    ‫مجلــــــــــــــــة‬

‫الكتـاب قـد اهتـم بتقديـم النقـد الاجتماعـي للمضمـون سجن القلعة‪ ،‬وفي اليوم التالي لخروجه من السجن‬

‫ُيحـال إلـى المعـاش المبكـر‪ .‬ويجـد نفسـه مضطـًار‬             ‫دون الشـكل وهـو النقـد الـذي أقـر الرفيقـان بصحتـه‪.‬‬
‫إلـى المنفـى الاختيـاري‪ ،‬فيسـافر بدعـوة مـن كليـة‬            ‫وقـد أطلـق الدكتـور محمـد منـدور علـى هـذا النقـد‬

‫مسـمى «النقـد الإيديولوجـي» وقـد سـعى الرفيقـان «سـان أنطونـي» فـي أكسـفورد لينضـم إلـى أسـرتها‪،‬‬

‫ويعمـل مدرًسـا للفكـر العربـي المعاصـر بهـا‪ ،‬ثـم‬             ‫لتفنيـد معظـم هـذه النقـود والـرد عليهـا فـي مقدمـة‬
‫يتصـل بـه صديقـه جـاك بيـرك ليسـتدعيه للعمـل‬                                     ‫الطبعـة الثالثـة مـن الكتـاب‪.‬‬

‫بجامعـة باريـس ‪ 8‬مدرًسـا للفكـر العربـي‪ ،‬ويلقـي‬              ‫ولـم تتوقـف المعـارك الفك َرّيـة عنـد كتـاب «فـي‬
‫دروًسـا فـي النقـد الأدبـي‪ .‬وينشـئ فـي باريـس مجلـة‬          ‫الثقافـة المصريـة»‪ ،‬لكنهـا تعـدت إلـى معـارك فكريـة‬
‫«اليسـار العربـي» يهاجـم فيهـا السياسـة السـاداتية‬           ‫فـي الفلسـفة كمـا حـدث مـع عبـد الرحمـن بـدوي ونقـد‬
‫والصلـح مـع إسـ ارئيل؛ فيقـدم لمحكمـة «العيـب»‬               ‫اتجاهـه الوجـودي وكيـف أنـه ُصـدم فـي كتـاب بـدوي‬
‫التـي تحكـم عليـه غيابًّيـا بحرمانـه مـن حقوقـه‬              ‫«الزمـان الوجـودي» مرتئًيـا أن الوجودّيـة ليسـت هـي‬
‫المدنيـة والسياسـَّية‪ ،‬ومصـادرة أملاكـه التـي لـم تكـن‬       ‫الفلسـفة التـي نريدهـا فـي عالمنـا العربـي‪ ،‬بـل إننـا‬
‫سـوى سـيارة مـن «ماركـة رمسـيس»‪ ،‬ثـم تعـود إلـى‬              ‫نتطلـع إلـى فلسـفة تعكـس إيماننـا بالعلـم وقوانينـه‬
‫أسـرته بعـد ذلـك‪ .‬وبعـد أن يمـوت السـادات يعـود‬              ‫الموضوعيـة وتعكـس احت ارمنـا للتاريـخ الإنسـاني‪.‬‬
‫العاِلـم إلـى مصـر طم ًعـا فـي مرحلـة جديـدة بهـا‬            ‫كذلـك واصـل العاِلـم معاركـه الفك َرّيـة مـع الدكتـور‬
‫نشـاط سياسـي وديمق ارطي أرحب‪ ،‬فيسـتقيل ‪ -‬على‬                 ‫زكـي نجيـب محمـود حـول التناقـض بيـن الحتميـة‬
‫الفـور ‪ -‬مـن الجامعـة فـي باريـس ويعـود إلـى مصـر‬            ‫وحريـة الإ اردة‪ .‬والحقيقـة أن العاِلـم كان يرجـع عـن‬
‫ليصـدر كتـاب غيـر دوري هـو «قضايـا فكريـة»‪،‬‬                  ‫أريـه إذا تبيـن لـه خطـؤه وتهافتـه‪ ،‬وهـو الأمـر الـذي‬
‫ويتـم اختيـاره مقـرًار للجنـة الفلسـفة بالمجلـس الأعلـى‬      ‫ظهـر جلًّيـا عنـد تخليـه عـن الماديـة التاريخيـة عـام‬
‫للثقافـة‪ ،‬ويحصـل علـى جائـزة الدولـة التقديريـة عـام‬         ‫‪ 1992‬ارف ًضـا تطبيـق أي نظريـة علـى التاريـخ‬
‫‪ .1998‬ويرحل العاِلم عن عالمنا في فجر العاشر‬                  ‫لأن النظريـة تتسـم بالعموميـة والكليـة والثبـات‬
‫مـن ينايـر ‪ 2009‬عـن عمـر يناهـز ‪ 87‬عا ًمـا‪،‬‬                  ‫والاسـتق ارر النسـبي بينمـا التاريـخ محصلـة عوامـل‬
‫وقـد شـيع جنازتـه محبـوه ومعارضـوه مـن مختلـف‬                ‫ذاتيـة وموضوعيـة متداخلـة ومتشـابكة ومتفاعلـة‬

         ‫التوجهـات السياسـَّية والفك َرّيـة والأدبيـة‪.‬‬                 ‫ومتناقضـة تشـكل إمكانـات مفتوحـة(((‪.‬‬

                                       ‫خاتمة‪:‬‬                ‫لقـد عـاش العاِلـم ُمخل ًصـا لاتجاهـه الـذي اختـاره‪،‬‬
‫وهكـذا بـدت حيـاة محمـود أميـن العاِلـم خيـر مثـال‬           ‫ولـم تدفعـه المعانـاة الذاتيـة إلـى الكفـر بقضيتـه‪،‬‬

‫حتـى بعـد مـوت عبدالناصـر ودخولـه فـي صـدام لمفكـر عـاش مـن أجـل أفـكاره ومبادئـه النضاليـة مـن‬

‫أجـل مناهضـة الإقطـاع والاحتـكار والرجعيـة ورفـع‬             ‫مـع النظـام السـاداتي الـذي تقـرب مـن الإسـاميين‬
‫القهـر والظلـم والاسـتغلال عـن كاهـل الجماهيـر‬               ‫علـى حسـاب الشـيوعيين‪ ،‬فتـم اعتقـال العاِلـم مـع مـن‬

‫أسـماهم السـادات «م اركـز القـوى» داخـل النظـام‪ ،‬العريضـة مـن الكادحيـن والمقهوريـن‪ .‬وتَ َح َّمـ َل – مـن‬
‫ويتـم تقديمـه للمحاكمـة بتهمـة الخيانـة العظمـى‪ ،‬أجـل مبادئـه هـذه – السـج َن والاعتقـال والتشـريد‬
‫وبينمـا ينتظـر الإعـدام فـي زن ازنتـه يجـد نفسـه خـارج والاضطهـاد والنفـي‪ .‬لـم يكفـر يوًمـا بمبادئـه بـل ظـل‬
‫يقاوم في ثبات ُيحسـد عليه‪ ،‬فكان الأسـبق والأجدر‬              ‫((( عاصم الدسوقي‪ ،‬المتمرد‪ ،‬ص‪.138‬‬

                                                         ‫‪34‬‬
   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39