Page 8 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الآيفون
P. 8

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                  ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫جـزٌء جوهـري أصيـل فـي قضيـة الوجـود الاجتماعـي‬                                                        ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫للإنسان‪ .‬فمن حق الم أرة – مثلاً – أن تتعلم بحكم‬
‫الدسـتور إلـى آخـر حـد تمكنهـا مواهبهـا‪ ،‬ومـن حقهـا‬           ‫إنهـاء لمـا تتعـرض لـه مـن احتقـار وإلغـاء وتهميـش‪.‬‬
‫أي ًضـا أن تشـارك فـي دنيـا العمـل بمـا تعلمتـه‪ .‬يقـول‪:‬‬       ‫ولعلنـا نسـتطيع – عبـر قـ ارءة أفـكار «قاسـم أميـن»‬
‫«للمـ أرة كل الحـق فـي أن تتعلـم إلـى آخـر قطـرة‬              ‫– أن نـدرك أنـه يتطلـع مـن حيـث المبـدأ إلـى منـح‬
‫تطيقهـا قد ارتهـا الفطريـة‪ ،‬وإذا قلنـا إنهـا «تعلمـت»‪،‬‬        ‫الم أرة جميع الحقوق والحريات‪ ،‬وإلغاء جميع أشكال‬
‫فكأننـا قلنـا بالتالـي إن لهـا مكاًنـا فـي دنيـا «العمـل»‬     ‫التمييـز الـذي تتعـرض لـه‪ ،‬ولكنـه يـدرك – مميـًاز بين‬
‫بمقـدار مـا تعلمـت وبنـوع مـا تعلمـت؛ لأن التعلـم‬             ‫إقـ ارر الحـق وبيـن اسـتعماله – أن ذلـك لا يتـم دفعـة‬
‫بـكل صنوفـه ودرجاتـه‪ ،‬ليـس كلا ًمـا يلقـى بـه فـي‬             ‫واحـدة‪ ،‬وإنمـا عبـر تـدرج منطقـي منتظـم يفضـي إلـى‬
‫الهـواء علـى سـبيل التسـلية وإزجـاء الفـ ارغ‪ ،‬بـل التعلـم‬     ‫تحقيـق المسـاواة التامـة بيـن الرجـل والمـ أرة فـي جميـع‬
‫فـي حقيقتـه تدريـب علـى عمـل يؤديـه المتعلـم»(‪.)17‬‬            ‫حقـول الحيـاة ومجالاتهـا‪ ،‬وإلـى جعـل هـذه المسـاواة‬
                                                              ‫دسـتوًار وقانوًنـا‪ ،‬لا يخرجـان عـن الحـدود الشـرعية‪،‬‬

                                                                          ‫ولا يتقيـدان بمذهـب مـن المذاهـب(‪.)15‬‬

‫وتحـدث كذلـك عـن «المـ أرة زوجـة وأ ًّمـا‬                     ‫الحقيقـة أن «قاسـم أميـن» قـد وقـف ضـد تهميـش‬
‫لأطفـال» وهنـا تنشـأ المشـكلة المحيـرة – علـى‬                 ‫دور المـ أرة الـذي لا يسـاعد علـى تنميـة المجتمـع‬
‫حـد قولـه – فكيـف توفـق المـ أرة بيـن واجباتهـا فـي‬           ‫وتقدمـه بوتائـر سـريعة وطبيعيـة‪ ،‬وهـذا التهميـش –‬
‫العمـل‪ ،‬وواجبـات الرعايـة لأطفالهـا الصغـار؛ هـذه‬             ‫فـي أريـه – ليـس سـوى نتيجـ ٍة للنظـرة التـي يتوهمهـا‬
‫المشـكلة هـي التـي يحتـج بهـا مـن يريـدون للمـ أرة‬            ‫الرجـل والتـي ينظـر بهـا إلـى المـ أرة بوصفهـا لا‬
‫أن تنسـحب مـن مياديـن العمـل التـي مـن أجلهـا‬                 ‫تصلـح لأي عمـل خـاص بشـئون الحيـاة العامـة(‪.)16‬‬
‫تعلمـت لتنحصـر فـي بيتهـا‪ .‬و أريـه فـي ذلـك‪ ،‬هـو أن‬           ‫كمـا أرجـع سـبب هـذه النظـرة الضيقـة إلـى وسـائل‬
‫يتـرك لـكل امـ أرة علـى حـدة حـ َّق الاختيـار لنفسـها‬         ‫الإعـام العربيـة والصحافـة المكتوبـة التـي تخلفـت‬
‫فـي ضـوِء ظروفهـا‪ ،‬فـإذا اختـارت أن تبقـى فـي‬                 ‫عـن ربـط قضيـة المـ أرة بقضيـة التنميـة وإبـ ارز دورهـا‬
‫بيتهـا لتربيـة الطفـل‪ ،‬كانـت حـرة فـي اختيارهـا‪ ،‬وإذا‬         ‫فـي الحيـاة العامـة‪ ،‬وكذلـك فـي كتـب الأدب والقصـة‬
‫اختـارت ميـدا َن العمـل فواجـب الدولـة أن تيسـر لهـا‬          ‫التـي لـم تسـتطع عكـس الصـورة الحقيقيـة للمـ أرة‪.‬‬
‫السـبل التـي تكفـل الرعايـة للطفـل‪ ،‬إذ لا يجـوز لنـا‬          ‫ومـن هنـا‪ ،‬وضـع «قاسـم أميـن» يـده علـى حقيقـة‬
‫أن ننسـى أن الطفـل «مواطـن» لـه علـى الدولـة‬                  ‫مهمـة هـي أن بدايـة تحريـر المـ أرة هـي تعليمهـا‪،‬‬
‫مـا لسـائر المواطنيـن مـن حـق الرعايـة – فتنظـم‬               ‫الـذي يفسـح المجـال أمامهـا للدخـول بقـوة إلـى سـاحة‬
‫لـه دوًار للحضانـة فـي كل م اركـز العمـل أو فـي‬
‫مواطـن السـكنى‪ )18(.‬معنـى هـذا القـول‪« ،‬أن المـ أرة‬                                           ‫الحيـاة العمليـة‪.‬‬
‫إذا مـا تجاذبتهـا واجبـات العمـل مـن ناحيـة وواجبـات‬
‫أسـرتها مـن ناحيـة أخـرى‪ ،‬فلهـا هـي وحدهـا حـق‬                ‫وإذا انتقلنـا إلـى حديـث «زكـي نجيـب محمـود»‬
‫الاختيـار لمـا تفعلـه حـاً لإشـكالها‪ ،‬وذلـك فـي ضـوء‬          ‫عن قضايا الم أرة – حريتها أو تعليمها أو مساواتها‬
‫ظروفهـا الخاصـة‪ ،‬مسـتعينة بـكل مـا يجـب علـى‬                  ‫بالرجل – فنجده يقرر‪ ،‬أن قضايا الم أرة في جوهرها‬
                                                              ‫قضايـا إنسـانية اجتماعيـة‪ ،‬بمعنـى أنهـا قضايـا لا‬
         ‫الدولـة أن تعينهـا بـه مـن تيسـي ارت(‪.)19‬‬            ‫تنفصـل عـن قضايـا الرجـل‪ ،‬فهـي – مـن ثـَّم –‬

                                                           ‫‪8‬‬
   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13