Page 19 - التربية المقارنة_Neat
P. 19

‫ويقعد المدرس وعليه السكينــة و الوقــــار لاب ًسا ثياب السواد معتماً وعلى يمينه ويساره معيدان يعيدان كل‬
‫مـا يمليـه المـدرس‪ ،‬وهكـذا ترتـب كـل مجلس من هـذه المجـالس الأربعـة وبـداخـل هـذه المـدرســــة حمـام للطلبـة‬

                                                                                 ‫ودار للوضوء "‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه المرحلة تتميز بالوصف فقط‪ ،‬دون المقارنة إلا أنها تعتبر أساساً للمقارنة‪ ،‬إذ لا يمكن‬

                                                                      ‫قيام مقارنة إلا بالوصف أولاً‪.‬‬

                               ‫المرحلة الثانية ‪ :‬مرحلة الربط بين نظم التعليم ومجتمعاته ‪-:‬‬

‫يعتبر العلامة عبد الرحمن بن خلدون (‪ 808 - 732‬هــــــــ) (‪1405-1331‬م) إضـــافة إلى كونه‬
‫مؤسس علم الاجتماع وعالم معدود من علماء التاريخ سابق لجميع العلماء الغربيين بأكثر من خمسة قرون‬
‫في مجـال التربيـة المقـارنـة حيـث إنـه كـان أول من ربط بين نظم التعليم والمجتمعـات التي توجـد فيهـا تلـك‬

                                                                    ‫النظم و قد ذكر ذلك في مقدمته‪.‬‬

‫في الكتـاب الأول من كتـابـه المشــــهور ( كتـاب العبر وديوان المبتـدأ والخبر في أيـام العرب والعجم‬
‫والبربر ومن عاصـرهم من ذوى السـلطان الأكبر ) اتبع المنهج المقارن في حديثه عن بلاد العالم المختلفة‬
‫ونظم التعليم فيها بشـكل خا وكان منهج ابن خلدون تطويراً لمنهج من سـبقه مثل ابن بطوطه وابن جبير‬

                                        ‫حيث إنه امتاز عنهم بسعة أفقه وشمولية منهجه‪ ،‬وموسوعيته‪.‬‬
‫وقد اشـتملت مقدمته على سـتة أبواب‪ ،‬تحدث في الباب السـادس في نحو خمسـين فصـلاً عن العلوم‪،‬‬
‫وأفرد فصـــلاً خاصـــاً عن تعليم الولدان واختلاف مذاهب الأمصـــار الإســـلامية في طرقه‪ ،‬وتحدث عن‬
‫مواضيع كثيرة كلها تختص بطرق التعليم والتربية في شتى البلدان‪ ،‬ويقول ابن خلدون عن الاختلافات بين‬
‫البلـدان الإســــلاميـة ‪ -‬في المشــــرق والمغرب ‪ -‬في أمور التعليم‪ ،‬اختلفـت طرقهم في تعليم القرآن للولـدان‬
‫باختلافهم‪ ،‬باعتبار ما ينشـــأ عن ذلك التعليم من الملكات فمذهب أهل المغرب في الولدان الاقتصـــار على‬
‫تعليم القرآن فقط وأخذهم في أثناء الدراســة بالرســم ومســائله واختلاف جملة القرآن فيه‪ ،‬لا يخلطون ذلك‬
‫بســواه في شــيء من مجالس تعاليمهم لا من حديث ولا من فقه ولا من شــعر ولا من كلام العرب إلى أن‬

                         ‫يحذق فيه أو ينقطع دونه فيكون انقطاعه في الغالب انقطاعاً عن العلم بالجملة‪.‬‬
‫وهـذا مـذهـب أهـل الأمصــــار بـالمغرب و من تبعهم من قرى في تعليم ولـدانهم إلى أن يجـاوزوا حـد‬

                                                                               ‫البلوغ إلى الشبيبة ‪.‬‬

‫قائمة الموضوعات‬  ‫‪19‬‬
   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24