Page 32 - 777777المنظور السياسي
P. 32
قيمنـا وهويتنـا حاضـرة وبقـوة فـي السـياق الـذي يصـاغ نضـع فـي اعتبارنـا أن تلـك السـمات التـي تحـدد ال ُهِوَّيـة
لهـذا العالـم الجديـد ،ولـن يتسـنى هـذا إلا مـن خـال والاندمـاج ،بعيـًدا عـن التمييـز أو التمييـز ضدهـا؛ يجـب
التنشـئة الت اركميـة ومـن خـال المؤسسـات التعليميـة التـي أن تعـزز التبـادل الثقافـي الـذي كان ثابتًـا عبـر تاريـخ
تُحقـق أهـداف الأمـن القومـي لمصـر وأمتهـا العربيـة البشـرية ،ولـن يتثنـى هـذا إلا بالتنشـئة مـن خـال م ارحـل
ومحيطهـا الإفريقـي والمتوسـطي. التعليـم المختلفـة.
هكـذا ،تُشـكل التعدديـة الثقافيـة أحـد أبـرز تجليـات فـي مواجهـة التجانـس وعـدم التجانـس ،الـذي تأسـس
التحـول فـي مفهـوم ال ُهِوَّيـة فـي العصـر الحديـث؛ حيـث فـي خطـاب الهيمنـة الثقافيـة ،مـن المهـم تسـليط الضـوء
لـم تعـد ال ُهِوَّيـة نسـًقا ثابتًـا ونهائًّيـا ،بـل أصبحـت عمليـة علـى أن ال ُهِوَّيـة لـم يعـد مـن الممكـن كتابتهـا تحـت
ديناميكيـة تخضـع لإعـادة التشـكيل المسـتمر بفعـل عدسـات التوحيـد الثقافـي أو فرضهـا مـن خـال خطـاب
عوامـل متعـددة ،أبرزهـا العولمـة والصناعـة الثقافيـة الاسـتيعاب المفـروض كنمـوذج مـن الثقافـة المهيمنـة،
ووسـائل الإعـام والهجـرة العابـرة للحـدود؛ فتأثيـر هـذه فقـد ظهـرت ثقافـة مـا بعـد الحداثـة الجديـدة القائمـة علـى
العوامـل علـى الوعـي الجمعـي يتجـاوز مجـرد تبـادل الخصوصيـة والاختـاف والتنـوع وتعـدد الخطابـات ،مـن
الرمـوز والمعـارف ،لُيفضـي إلـى إعـادة إنتـاج معانـي هـذا المنظـور ،تتعايـش عمليتـا التجانـس والتغايـر فـي
آ ٍن واحـد بقـدر مـا إذا لـم يكـن لدينـا نظريـة موحـدة لبنـاء
الانتمـاء ذاتهـا. ال ُهِوَّيـة ،فـإن ذلـك لا يرجـع فقـط إلـى أوجـه القصـور فـي
الحالـة ال ارهنـة للمعرفـة ،بـل أي ًضـا لأن التجزئـة هـي سـمة
فالمجتمعـات المعاصـرة باتـت تشـهد انبثـاق فضـاءات هيكليـة لعمليـات الهيمنـة .وبعبـارة أكثـر ص ارحـة فـإن
جديدة للممارسـات الثقافية البديلة والناشـئة؛ ما عَّزز من مـا ُيسـمى بالهيمنـة غالًبـا مـا يتـم تقديمـه كمجموعـة مـن
حضـور الهويـات المركبـة والهويـات العابـرة للقوميـات، عمليـات التجانـس ،وفـي الوقـت نفسـه كمجموعـة مـن
وفـرض علـى الدولـة الحديثـة تحديـات مت ازيـدة فـي صـوغ عمليـات التجانـس والتجزئـة المفصليـة للعالـم ،والتـي تعيـد
مفهـوم جامـع للمواطنـة والتعايـش .وبينمـا تسـعى بعـض ترتيـب العالـم ،والتـي تعيـد ترتيـب الاختلافـات والتفاوتـات
الأطـ ارف إلـى دمـج هـذه التعدديـة فـي إطـار تصـور
سياسـي شـامل للوطـن ،تنبـه د ارسـات معاصـرة إلـى أن دون قمعهـا مـع التحيـز إلـى قيـم المهيمـن.
هـذا التعـدد قـد يتحـول -فـي غيـاب سياسـات إدمـاج
فعالـة -إلـى مصـدر لتـآكل التماسـك الاجتماعـي وتفاقـم بهـذه الطريقـة ،لا يجـب أن يكـون الوطنـي -مـن وجهـة
نظـر التغايـر -علـى خـاف مـع الأجنبـي ،بالضـرورة
الانقسـامات الثقافيـة. علـى طرفـي نقيـض مـع الأجنبـي ،ولكـن مـن خـال ربـط
أنفسـنا بالهويـات الأخـرى ،نرتبـط بأنفسـنا .فيجـب أن
مـن هنـا ،تبـرز أهميـة التنشـئة السياسـية بوصفهـا أداة يوضـع فـي الاعتبـار أن السـمات الثقافيـة التـي تحـدد
تاريخيـة – لا تلقينيـة فحسـب – لصياغـة ُهِوَّيـة وطنيـة الهويـة والاندمـاج ،بعيـًدا عـن التمييـز أو التمييـز ضدهـا،
قادرة على استيعاب التعدد دون السقوط في فخ التفتت،
وهـو مـا ُيمِثّـل تحدًيـا حيوًّيـا فـي الحالـة المصريـة؛ حيـث توفـر بيئـات للتلاقـح والتبـادل الثقافـي.
تتقاطـع ثقافـات ريفيـة وحضريـة ،دينيـة متأثـرة بتوجهـات
معينـة ،محليـة وعالميـة ،فـي فسيفسـاء ُمعقـدة تسـتدعي وبالتالـي ،نحـن أمـام عمليـة تاريخيـة ديناميكيـة ومعقـدة
خطاًبـا عقلانًّيـا جام ًعـا ،يعـِّزز الاعتـ ارف بالاختـاف دون لا يمكـن إنكارهـا ،لذلـك يجـب أن ُنفكـر فـي أن تكـون
32

