Page 119 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 119
www.islamicbulletin.comرﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ
اذا أردت أن ترتب أصحاب رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وفق سبقھم الزمني الى الاسلام فاعلم اذا
بلغت الرقم الرابع عشر أن صاحبه ھو عثمان بن مظعون..
واعلم كذلك أن ابن مظعون ھذا ،كان أول المھاجرين وفاة بالمدينة ..كما كان أول المسلمين دفنا بالبقيع..
واعلم أخيرا أن ھذا الصحابي الجليل الذي تطالع الآن سيرته كان راھبا عظيما ..لا من رھبان الصوامع،
بل من رھبان الحياة!!...
أجل ..كانت الحياة بكل جيشانھا ،ومسؤولياتھا ،وفضائلھا ھي صومعته..
وكانت رھبانيته عملا دائبا في سبيل الحق ،وتفانيا مثابرا في سبيل الخير والصلاح...
**
عندما كان الاسلام يتس ّرب ضوؤه الباكر االند ّي من قلب الرسول صلى ﷲ عليه عليه وسلم ..ومن
كلماته ،عليه الصلاة والسلان ،التي يلقيھا في بعض الأسماع سرا وخفية..
كان عثمان بن معظون ھناك ،وحدا من القلة التي سارعت الى ﷲ والتفت حول رسوله..
ولقد نزل به من الأذى والضر ،ما كان ينزل يومئذ بالمؤمنين الصابرين الصامدين..
وحين آثر رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ھذه القلة المؤمنة المضطھدة بالعافية .آمرا ايّاھا بالھجرة الى
الحبشة .مؤثرا أن يبقى في مواجھة الأذى وحده ،كان عثمان بن مظعون أمير الفوج الأول من
المھاجرين ،مصطحبا معه ابنه السائب موليّا وجھه شطر بلاد بعيدة عن مكايد عدو ﷲ أبي جھل.
وضراوة قريش ،وھو عذابھا....
**
وكشأن المھاجرين الى الحبشة في كلتا الھجرتين ...الأولى والثانية ،لم يزدد عثمان بن مظعون رضي
ﷲ عنه الا استمساكا بالاسلام .واعتصاما به..
والحق أن ھجرتي الحبشة تمثلان ظاھرة فريدة ،ومجيدة في قضية الاسلام..
فالذين آمنوا بالرسول صلى ﷲ وص ّدقوه ،واتبعوا النور الذي أنزل معه ،كانوا قد سئموا الوثنية بكل
ضلالاتھا وجھالاتھا ،وكانوا يحملون فطرة سديدة لم تعد تسيغ عبادة أصنام منحوتة من حجارة أو
معجونة من صلصال!!..
وحين ھاجروا الى الحبشة واجھوا فيھا دينا سائدا ،ومنظما ..له منائسه وأحباره ورھبانه..
وھو ،مھما تكن نظرتھم اليه ،بعيد عن الوثنية التي ألفوھا في بلادھم ،وعن عبادة الأصنام بشكلھا
المعروف وطقوسھا التي خلفوھا وراء ظھورھم..
ولا ب ّد أن رجال الكنيسة في الحبشة قد بذلوا جھودا لاستمالة ھؤلاء المھاجرين لدينھم ،واقناعھم
بالمسيحية دينا...
ومع ھذا كله نرى أولئك المھاجرين يبقون على ولائھم العميق للاسلام ولمحمد صلى ﷲ عليه وسلم..
مترقبين في شوق وقلق ،ذلك أن اليوم القريب الذي يعودون فيه الى بلادھم الحبيبة ،ليعبدوا ﷲ وحده،
وليأخذوا مكانھم خلف رسولھم العظيم ..في المسجد أيام السلام ..وفي ميدان القتال ،اذا اضطرتھم قوى
الشرك للقتال..
119