Page 122 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 122

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

                                         ‫ومن يرضه الرحمن يا قوم يسعد‬
                                                                         ‫فاني وان قلتم غو ّي مضلل‬

                                            ‫لأحيا على دين الرسول محمد‬
                                                                         ‫أريد بذاك ﷲ‪ ،‬والحق ديننا‬

                                        ‫على رغم من يبغي علينا ويعتدي‬

                                               ‫**‬

                                        ‫ھكذا ضرب عثمان بن مظعون مثلا‪ ،‬ھو له أھل‪ ،‬وبه جدير‪..‬‬
                                   ‫وھكذا شھدت الحياة انسانا شامخا يع ّطر الوجود بموقفه الفذ ھذا‪..‬‬

                                                                          ‫وبكلماته الرائعة الخالدة‪:‬‬
   ‫" وﷲ ان عيني الصحيحة‪ ،‬لفقيرة الى مثل ما أصاب أختھا في ﷲ‪ ..‬واني لفي جوار من ھو أعز منك‬

                                                                                       ‫وأقدر"‪!!..‬‬
‫ولقد ذھب عثمان بن مظعون بعد ر ّد جوار الوليد يتلقى من قريش أذاھا‪ ،‬وكان بھذا سعيدا ج ّد سعيد‪ ..‬فقد‬

                                      ‫كان ذلك الأذٮبمثابة الانر التي تنضج الايمان وتصھره وتز ّكيه‪..‬‬
                            ‫وھكذا سار مع اخوانه المؤمنين‪ ،‬لا يروعھم زجر‪ ..‬وبل يص ّدھم اثخان‪!!..‬‬

                                               ‫**‬

   ‫ويھاجر عثمان الى المدينة‪ ،‬حيث لا يؤ ّرقه أبو جھل ھناك‪ ،‬ولا أبو لھب‪ ....‬ولا أميّة‪ ..‬ولا عتبة‪ ،‬ولا‬
                                       ‫شيء من ھذه الغيلان التي طالما أ ّرقت ليلھم‪ ،‬وأدمت نھارھم‪..‬‬

‫يذھب الى المدينة مع أولئك الأصحاب العظام الذين نجحوا بصمودھم وبثباتھم في امتحان تناھت عسرته‬
   ‫ومشقته ورھبته‪ ،‬والذين لم يھاجروا الى المدينة ليستريحوا ويكسروا‪ ..‬بل لينطلقوا من بابھا الفسيح‬
                        ‫الرحب الى كل أقطار الأرض حاملين راية ﷲ‪ ،‬مبشرين بكلماته وآياته وھداه‪..‬‬
  ‫وفي دار الھجرة المن ّورة‪ ،‬يتكش ّف جوھر عثمان بن مظعون وتستبين حقيقته العظيمة الفريدة‪ ،‬فاذا ھو‬
                                                                   ‫العابد‪ ،‬الزاھد‪ ،‬المتبتل‪ ،‬الأ ّواب‪...‬‬
                          ‫واذا ھو الراھب الجليل‪ ،‬الذكي الذي لا يأوي الى صومعة يعتزل فيھا الحياة‪..‬‬
                                                       ‫بل يملأ الحياة بعمله‪ ،‬وبجھاده في سبيل ﷲ‪..‬‬
                                                                                             ‫أجل‪..‬‬
                                   ‫راھب الليل فارس النھار‪ ،‬بل راھب الليل والنھار‪ ،‬وفارسھما معا‪..‬‬
      ‫ولئن كان أصحاب رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم‪ ،‬لا سيّما في تلك الفترة من حياتھم‪ ،‬كانوا جميعا‬
  ‫يحملون روح الزھد والتبتل‪ ،‬فان ابن مظعون كان له في ھذا المجال طابعه الخاص‪ ..‬اذ أمعن في زھده‬

‫وتفانيه امعانا رائعا‪ ،‬أحال حياته كلھا في ليله ونھاره الى صلاة دائمة مضيئة‪ ،‬وتسبيحة طويلة عذبة‪!!..‬‬
 ‫وما ان ذاق حلاوة الاستغراق في العبادة حتى ھ ّم بتقطيع كل الأسباب التي تربط الناس بمناعم الحياة‪..‬‬
                                      ‫فمضى لا يلبس الا الملبس الخشن‪ ،‬ولا يأكل الا الطعام الجشب‪..‬‬

                                                              ‫‪122‬‬
   117   118   119   120   121   122   123   124   125   126   127