Page 13 - merit 39 feb 2022
P. 13
11 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
سيجموند فرويد سيبستيان فوكس بالحرب العالمية الموشكة ،مما قد يوحي باحتواء
الجنون على ما قد نطلق عليه حاسة إضافية ،تم ِّكن
الأيديولوجيا مع الفكر ،والذاتية مع الموضوعية،
حيث يصبح الطبيب المعالج والمريض المعاني ،نفس المريض من استشراف المستقبل ،فينهار أوليفييه
أمام تلك الرؤية شبه الميتافيزيقية ،مقر ًرا أن يدفع
الشخصُ ،ت ْك ِسب العمل ككل عم ًقا قد نطلق عليه حياته ثمنًا ،ومضحيًا قبل أن يشهد أنهار الدم التي
ُبع ًدا ميتافيزيقيًّا.
يتسبب فيها «عقلاء» هذا العالم.
ومع بدايات القرن الحادي والعشرين ،وبعد أن مع اندلاع الحرب العالمية ،تتبخر أحلام الصديقين،
نجح الطب النفسي والتحليل النفسي في الكشف
عن الكثير من خصائص الكائن البشري ،وفي يومنا ويشعر كل منهما بمرارة الحلم الأكبر واستحالة
هذا ،وقد زاد الطلب على المشتغلين بالطب النفسي، تحقيقه ،وأن ك ًّل منهما كان يطارد سرا ًبا ،محاو ًل
نظ ًرا لما تسببه الحياة المعاصرة من قلق واكتئاب،
وانهيار للقيم التقليدية والعلاقات الأسرية ،وندرة عن طريق الطب والفكر فهم تلك الدوافع التي
الأصدقاء ،والصعوبات المادية ،فقد صار الطبيب تتحكم ،إلى حد كبير ،في تسيير حياته ،إذ يتضح
النفسي ملا ًذا آمنًا ،وخط دفاع أخير لآلام حقيقية أنها أكثر تعقي ًدا بكثير مما كان يظن أو يتوقع كعالم
وخوف من مستقبل مجهول ،قد ينجح المعالج في
التخفيف من آثارها ببعض الأدوية المستحدثة، وباحث.
يفاجأ توماس ،مث ًل ،بسماعه لأصوات لا تختلف
والطرق العلاجية التي تستند على التعاطف،
واضفاء الأمل .إلا أن الأسئلة الكبرى التي وضعها كثي ًرا عما يسمعه مرضاه ،بل ويجتاحه الرعب
الصديقان نصب أعينهما في تلك الرحلة الغنية ،قد وزوجته تعاني من آلام المخاض ،إذ تراءى له بشكل
لا تجد جوا ًبا شافيًا أب ًدا. صريح احتمال وفاتها ،وبالتالي فقده لها فيما بقى
تبدأ الحكمة والعلم بمقولة دلفي الشهيرة «اعرف من العمر .ويخر الطبيب ساج ًدا باكيًا ،متضر ًعا إلى
نفسك» ،ولك أن تسعى إلى المعرفة بكل ما تملك ،إلا
أن إيجادها ،كما يبدو من الرواية ،سيظل غائبًا ما إله لم يكن قد آمن فكر ًّيا بوجوده.
أما جاك ،الذي يصدم بوفاة ولده الوحيد على
دام الإنسان إنسا ًنا جبهة القتال ،فيتخلى تما ًما عن فكره المنطقي
والعملي ،فيجد نفسه مسو ًقا كأي جاهل إلى وسيطة
روحانية ،بأمل تحقيق أي اتصال بابنه الغائب.
وتجد مشاعر الأب متنف ًسا ،بعد أن يسب تلك
الوسيطة التي لا يرى فيها سوى محتالة رخيصة،
ويتحول بكاؤه إلى نحيب ،يعبر عن الأسى للفقد،
ولكنه لا يمنحه الخلاص.
وتلعب سونيا دو ًرا محور ًيا كزوجة لجاك وشريكة
لحياته ،والأخت الكبرى لتوماس في ذات الوقت،
بل لعلها تلعب دو ًرا حاس ًما في مواساة الصديقين
المحبطين .فتتفهم سونيا خيانة زوجها بإقامة علاقة
مع رويا ،المرأة المتزوجة ،التي استثارته جنسيًّا
بشكل لم يعهده من قبل ،بل ودفعته دف ًعا لخيانة
كل معتقداته وأفكاره ،ناهيك عن زوجته وعائلته
الصغيرة.
تظهر الرواية ،إ ًذا ،بما لا يدع مجا ًل للشك ،أن ك ًّل
من البطلين يفاجأ بدوافع من اللاوعي لا قبل له
بها ،أو بمواجهتها ،رغ ًما عن تجاربه ودراساته
كرائد من رواد علم النفس الوليد .ولعل تداخل