Page 17 - merit 39 feb 2022
P. 17

‫‪15‬‬                ‫إبداع ومبدعون‬

                  ‫رؤى نقدية‬

                                                                ‫إن عالم النص عالم مستقل‬

                                                                ‫بذاته عن عالم القارئ‪ ،‬ولذلك‬

                                                                ‫فإنه من الممكن أن يستجيب‬

                                                                 ‫لتوقعاته‪ ،‬وبذلك يكون ن ًّصا‬
                                                                 ‫بسي ًطا‪ ،‬ساذ ًجا‪ ،‬لا أثر له في‬
                                                                ‫نفسية متلقيه‪ ،‬وهو بحاله تلك‬

                                                                ‫شبيه بفن الطبخ‪ ،‬وإما يسعى‬

                                                                ‫لمخالفة ما تعوده هذا القارئ‪،‬‬
                                                                 ‫فيبني لنفسه مسا ًرا مستق ًّل‬
                                                                ‫جدي ًدا‪ ،‬بعي ًدا عما ألفه وتعوده‬
                                                                ‫من معايير فنية وجمالية في‬

                                                                ‫الجنس الذي يندرج ضمنه‬

                                                                ‫النص‪ .‬إن النص‪ ،‬هنا‪« ،‬يبتكر‬
                                                                ‫لنفسه نم ًطا جدي ًدا في الصياغة‬
                                                                ‫والأسلوب»(‪ ،)15‬وبذلك فهو‬

‫عبد اللطيف شاكير‬  ‫رولان بارت‬     ‫بدر شاكر السياب‬                 ‫يكسر أفق انتظار قارئه‪،‬‬
                                                                ‫فيحقق اللذة الجمالية التي‬

      ‫‪ -4‬أفق التوقع وإجرائية الأزمنة الثلاثة‪:‬‬                              ‫يسعى إليها كل متلق للنصوص الفنية‪.‬‬
‫إن التعامل مع النصوص الأدبية لا يتم في مستوى‬                                              ‫‪ -3‬المسافة الجمالية‪:‬‬

   ‫واحد ووحيد‪ ،‬وإنما في درجات متعددة‪ ،‬قسمها‬                        ‫حدد ياوس قيمة النصوص الجمالية انطلا ًقا من‬
   ‫ياوس إلى ثلاث؛ ذلك أن المتلقي في تقبله للنص‬                  ‫معايير أساسية‪ ،‬بحيث إن كل نص توفرت فيه هذه‬
‫الأدبي يقطع مراحل تتلازم فيما بينها وكل واحدة‬
                                                                   ‫الشروط يع ُّد ن ًّصا قاد ًرا على جعل متلقيه يشعر‬
                  ‫منها لها مقصد معلوم‪ ،‬إذ إنه «يعسر أن نتصور‬      ‫باللذة التي هي الغاية المثلى لكل نص فني‪ ،‬إضافة‬

‫تق ُّب ًل يتم دفعة واحدة‪ .‬إنما يكون بحسب مستويات‬                ‫إلى خلخلة المعايير التي كانت سائدة حينها‪ ،‬وذلك‬
    ‫يحددها مطلب القارئ في كل لحظة من لحظات‬
                                                                  ‫بإدخال أنماط جديدة من التعبير لم تكن معهودة‬
  ‫التقبل‪ .‬وهذا التدرج سمة مطلوبة‪ ،‬لأنه يسلم عبر‬                 ‫من ذي قبل‪ .‬إن هاته المعايير والشروط التي ينبغي‬
‫ترسبات مختلفة في ذهن القارئ إلى الهدف الأقصى‬
                                                                    ‫أن توجد في النصوص الفنية تتحدد في‪« :‬أو ًل‪:‬‬
   ‫الذي ينشده المنشئ من وراء الكتابة نفسها وهو‬                   ‫طبيعتها الذاتية‪ ،‬ثانيًا‪ :‬في قوة أثرها على الجمهور‬
  ‫فعل التأثير في القارئ بالتحكم في دقة الفهم»(‪،)18‬‬                ‫المتلقي‪ ،‬ثالثًا‪ :‬في مدى الخرق أو الانزياح الجمالي‬
                                                                 ‫الذي تمارسه آفاق التوقع في هذه النصوص إزاء‬
      ‫غير أنه وجب التنبيه إلى كون هذه المستويات‬                 ‫آفاق التوقع الخاصة بالقراء مع ما تسفر عنه هذه‬
  ‫مستويات إجرائية فقط‪ ،‬إذ الغرض منها‪ ،‬بالدرجة‬
 ‫الأولى‪ ،‬الإيضاح المنهجي‪ ،‬لأن التدرج سمة مطلوبة‬                       ‫الممارسة من ردود فعل تأويلية متنوعة»(‪.)16‬‬
  ‫في كل الأمور‪ ،‬ولا يمكن الحديث عن أمور نظرية‬                       ‫إن القيمة الجمالية لأي نص تظل رهينة بمدى‬
                                                                    ‫قدرته على خرق القوانين المعهودة عند المتلقي‪،‬‬
                                 ‫دفعة واحدة‪.‬‬                      ‫وبالتالي كسر أفق انتظاره‪ ،‬وذلك بجعله يعدل ما‬

                                                                ‫كان يأمله من النص بأفق جديد‪ ..‬وبعبارة أخرى؛‬
                  ‫فإن القيمة الجمالية للعمل الأدبي الجديد تكون أكبر أ‪ -‬لحظة التلقي الذوقي‪:‬‬
                  ‫كلما كان «تغير الأفق السائد ضرورة ملحة يتطلبها يمكن تعريفها بأنها عبارة عن محاولة لتذوق‬
                  ‫النص في كليته‪ ،‬شك ًل ومضمو ًنا‪ ،‬وهذا يتم عبر‬
                                                                ‫استقبال هذا العمل وفهمه»(‪.)17‬‬
   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22