Page 22 - merit 39 feb 2022
P. 22
العـدد 38 20
فبراير ٢٠٢2
بفتحنا لهاته الكوة الدلالية التي أطللنا منها على مخيفين ،فبعد أن كانت مليئة بالهناء في الزمن الذي
دلالات كلمة رعب ،وجدنا أنها تزيل الغبش المعنوي و َّل ،صارت تك ِّسر رأسه هواجس تخيفه ،وتجعله
الذي حاصرنا ،إذ جعلتنا نخلص إلى تجليات خوف
كالوحيد في مكان خال لا أنيس به إلا الألم الذي
شاعرنا وأبرز مظاهره ،وذلك في صلة بالقصيدة يحاربه فيرجو التغلب عليه ،علَّه يقبض على ما زال
المدروسة.
من بين يديه:
إن القراءة الاسترجاعية استطاعت أن تظهر لنا «الأمان هناك
مدى خوف الشاعر ،وذلك في تطلع إلى مخرج مما يطل عليَّ من ثقب ماض،
يرسل تمتمات:
يعانيه .فهو لم يعان من شي ٍء واح ٍد ،وإنما من لا بد لك أن تتطهر من دنس الولادة».
متعدد ،ما يدل على مدى الحصار الذي يتهدده -يثب في غفلة :إنه فزع يفاجئ في كل مرة على
الرغم من أنه متكرر ،فيسبب الألم نفسه والحسرة
ويكبله من كل أطرافه. ذاتها .هو ليس شبي ًها بألم الحب ،ذاك الألم الخفيف
وبتطلعنا إلى قراءة تاريخية تنفتح على النصوص اللذيذ الذي يستعذبه العاشقون ،وإنما طعمه كطعم
البارود الذي تقذف به الطرائد والفرائس ،فتهوي
التي شاركت القصيدة أهم ملامحها التساؤلية
والباحثة عن هواء منعش يبدل ذاك الذي خنق صريعة:
رئتيها ،نجد هاته الموضوعة استأثرت باهتمام عديد «وفي فمي طعم البارود
الشعراء ،فعبر عنها كل واحد بأسلوبه الخاص.
ذلك أن الألم والأمل موضوعتان تندرجان ضمن أنفثه على مرآتي،
المشترك الإنساني .ولعل أقرب الأمثلة التي تثب حتى تنفجر به رأسي،
إلى الذهن أغلب قصائد شعراء الحداثة في عالمنا
العربي .فهو بدر شاكر السياب في قصيدة «سفر ثم أهينها!»
أيوب» يبحث عن الله ،عن الأمل ،رغم ما يعيشه -الملء :نفسه مملوءة خرا ًبا ،مملوءة تص ُّد ًعا،
من أوضاع يعرفها جميع متتبعي الشعر في بداية لكن ذلك حصل على مهل ،إذ كثرة الطرق تجيب
حداثته .إن بحث شاعرنا كان تساؤليًّا ،يستعرض الفتح .فرغم أن الخراب يحصل ،عادة ،بطريقة
مظاهر معاناته وكيف خنقه الرعب ،ويتلمس في ظل سريعة وخاطفة ،إلا أنه هنا جاء بشكل معاد على
هاته العتمة ح ًّل لما هو فيه .وبذلك ،يكون قد تقاطع فترات ،فهو قد رضع الخوف منذ صغره ،فاختلط
مع السياب في نقطتين: بأضلاعه ،ما سبب في تفتيتها:
«دمار خلف الأضلاع المخروقة،
لا أرى قدري..
لا أسمع وتري..
لا أفهم أشعاري..
من ثدي الخوف أرضع».
-الوعيد :إنه ملتزم بفعل ما وعد به من تهديد
شديد ،ذلك أن خوفه ورعبه لا يكتفي بالكلام
فقط ،وإنما يتحول مباشرة إلى الفعل .وهنا
نكتشف القوة الجامحة التي يشتغل بها ،فهو
يعمل ما في وسعه لجعل شاعرنا تعي ًسا ،يعيش
في وحدته وبؤسه .إن فعل الوعيد يبرز عادة في
الشر ،ولهذا فما ينتظر شاعرنا يجب أن يحذر
منه ،لأنه في وضع يجعله متأز ًما غير قادر على
مغادرة ما هو عليه.